مَسْأَلَةٌ: وَلَا قَوَدَ عَلَى مَجْنُونٍ فِيمَا أَصَابَ فِي جُنُونِهِ، وَلَا عَلَى سَكْرَانَ فِيمَا أَصَابَ فِي سُكْرِهِ - الْمُخْرِجِ لَهُ مِنْ عَقْلِهِ - وَلَا عَلَى مَنْ لَمْ يَبْلُغْ، وَلَا عَلَى أَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ: دِيَةٌ، وَلَا ضَمَانٌ، وَهَؤُلَاءِ وَالْبَهَائِمُ سَوَاءٌ لِمَا ذَكَرْنَا فِي " الطَّلَاقِ " وَغَيْرِهِ مِنْ الْخَبَرِ الثَّابِتِ فِي رَفْعِ الْقَلَمِ عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ وَالسَّكْرَانِ لَا يَعْقِلُ وَقَدْ ذَكَرْنَا «خَبَرَ حَمْزَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي قَوْلِهِ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - مَا لَوْ قَالَهُ فِي صِحَّتِهِ لَخَرَجَ بِذَلِكَ عَنْ الْإِسْلَامِ وَعَقْرُهُ نَاقَتَيْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَلَمْ يَجْعَلْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ مَلَامَةً وَلَا غَرَامَةً» .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَوْ كَانَ هَذَا مَا شَاءَ وَاحِدٌ أَنْ يَقْتُلَ أَحَدًا أَوْ يُفْسِدَ مَالَهُ إلَّا تَسَاكَرَ حَتَّى يَبْلُغَ مَا يُرِيدُ؟ فَقُلْنَا لَهُمْ: فَقُولُوا هَذَا الْكَلَامَ فِي الْمَجْنُونِ، فَقُولُوا: لَوْ كَانَ هَذَا لَمَا شَاءَ أَحَدٌ أَنْ يَقْتُلَ أَحَدًا، أَوْ يُتْلِفَ مَالَهُ إلَّا تَحَامَقَ وَتَجَنَّنَ، حَتَّى يَبْلُغَ مِنْ ذَلِكَ مَا يُرِيدُ وَلَا فَرْقَ.
فَقَالُوا: وَمَنْ يَعْرِفُ أَنَّهُ سَكْرَانُ؟ فَقُلْنَا: وَمَنْ يَعْرِفُ أَنَّهُ مَجْنُونٌ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَالْحَقُّ الْمُتَيَقَّنُ فِي هَذَا: أَنَّ الْأَحْكَامَ لَازِمَةٌ لِكُلِّ بَالِغٍ حَتَّى يُوقَنَ أَنَّهُ ذَاهِبُ الْعَقْلِ بِجُنُونٍ أَوْ سُكْرٍ.
وَأَمَّا مَا لَمْ يُوقَنْ ذَلِكَ - فَالْأَحْكَامُ لَهُ لَازِمَةٌ وَحَالُ ذَهَابِ الْعَقْلِ بِأَحَدِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ يُشَاهِدُهُ، وَقَدْ وَافَقَنَا الْمُخَالِفُونَ لَنَا فِي هَذَا الْمَكَانِ عَلَى أَنْ لَا يُؤْخَذَ السَّكْرَانُ بِارْتِدَادِهِ عَنْ الْإِسْلَامِ - وَهَذَا أَشْنَعُ مِنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ.
فَإِنْ قَالُوا: فَهَلَّا جَعَلْتُمْ فِي ذَلِكَ دِيَةً؟ قُلْنَا: لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ وَأَبْشَارَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» فَأَمْوَالُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالسَّكْرَانِ حَرَامٌ بِغَيْرِ نَصٍّ، كَتَحْرِيمِ دِمَائِهِمْ وَلَا فَرْقَ وَلَا نَصَّ فِي وُجُوبِ غَرَامَةٍ عَلَيْهِمْ أَصْلًا.
وَجَاءَتْ عَمَّنْ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ آثَارٌ -: