وَمِنْ الْعَجَبِ قَوْلُهُمْ فِي قَوْلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي دِيَةِ أَصَابِعِ الْمَرْأَةِ هِيَ السُّنَّةُ: إنَّ هَذَا إسْنَادٌ تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ، وَلَمْ يَقُولُوا ذَلِكَ فِي قَوْلِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فِي عِدَّةِ أُمِّ الْوَلَدِ: لَا تُلَبِّسُوا عَلَيْنَا سُنَّةَ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -.
فَيَا لَيْتَ شِعْرِي مَنْ أَوْلَى بِمَعْرِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَأَوْلَى أَنْ يُصَدَّقَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَوْ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ؟
وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ يَدَّعُونَ الْعَمَلَ بِالْقِيَاسِ وَهُمْ قَدْ قَاسُوا الْعَقْدَ الْفَاسِدَ الْمَفْسُوخَ الَّذِي لَا يَحِلُّ عِنْدَهُمْ إقْرَارُهُ عَلَى النِّكَاحِ الثَّابِتِ الصَّحِيحِ فِي إيجَابِ الْعِدَّةِ فِيهِمَا، وَلَمْ يَقِيسُوا أُمَّ الْوَلَدِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا عَلَى الزَّوْجَةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا؟ .
وَالْعَجَبُ مِنْ احْتِجَاجِ الْحَنَفِيِّينَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَجْعَلْ عِدَّةَ الْوَفَاةِ إلَّا عَلَى الزَّوْجَةِ - وَلَمْ يَحْتَجُّوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَجْعَلْ الْعِدَّةَ بِالْأَقْرَاءِ، وَبِالشُّهُورِ، إلَّا عَلَى مُطَلَّقَةٍ - وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ؟ .
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَوْ صَحَّ خَبَرُ عَمْرٍو مُسْنَدًا لَسَارَعْنَا إلَى الْقَوْلِ بِهِ - وَفِيهِ أَيْضًا مَطَرٌ وَهُوَ سَيِّئُ الْحِفْظِ.
وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَمَا نَعْلَمُ لَهُ سَلَفًا إذْ عَوَّضَ مِنْ حَيْضَةٍ وَاحِدَةٍ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ بِلَا بُرْهَانٍ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَمْ يُوجِبْ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ عِدَّةً إلَّا عَلَى زَوْجَةٍ مُتَوَفَّى عَنْهَا، أَوْ مُطَلَّقَةٍ، أَوْ مُخَيَّرَةٍ إذَا أُعْتِقَتْ فَاخْتَارَتْ فِرَاقَ زَوْجِهَا {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] ، {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق: 1] وَقِيَاسُ مَنْ لَيْسَتْ زَوْجَةً عَلَى زَوْجَةٍ بَاطِلٌ بِكُلِّ حَالٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
2004 - مَسْأَلَةٌ: وَعِدَّةُ الْأَمَةِ الْمُتَزَوِّجَةِ مِنْ الطَّلَاقِ وَالْوَفَاةِ كَعِدَّةِ الْحُرَّةِ سَوَاءً سَوَاءً وَلَا فَرْقَ، لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَلَّمَنَا الْعِدَدَ فِي الْكِتَابِ فَقَالَ {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] .