عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ عَنْ زِيَادِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ قَالَ: انْتَفَى ابْنُ عَبَّاسٍ مِنْ وَلَدٍ لَهُ؟ فَدَعَا لَهُ ابْنُ كَلِدَةِ الْقَائِفَ، فَقَالَ لَهُ: أَمَا إنَّهُ وَلَدُهُ، فَادَّعَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ وَأَبُو الزِّنَادِ، كِلَاهُمَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: إنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَلْيَدْعُ لَهُ بِالْقَافَةِ.
وَبِهِ يَقُولُ قَتَادَةُ، وَغَيْرُهُ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَجُمْهُورُ أَصْحَابِنَا: إلَّا أَنَّ مَالِكًا قَالَ: لَا يُحْكَمُ بِقَوْلِ الْقَافَةِ إلَّا فِي وَلَدِ أَمَةٍ لَا فِي وَلَدِ حُرَّةٍ - وَهَذَا خَطَأٌ، لِأَنَّ الْأَثَرَ الَّذِي أَوْرَدْنَا آنِفًا مِنْ قَوْلِ مُجَزِّزٍ الْمُدْلِجِيِّ فِي أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - الَّذِي هُوَ عُمْدَةُ مَالِكٍ وَعُمْدَتُنَا فِي الْحُكْمِ بِالْقَافَةِ إنَّمَا جَاءَ فِي ابْنِ حُرَّةٍ لَا فِي ابْنِ أَمَةٍ.
وَلَمْ يَرَ أَبُو حَنِيفَةَ وَلَا أَصْحَابُهُ الْحُكْمَ بِالْقَافَةِ - وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِأَنَّهُ حُكْمٌ بِالظَّنِّ - وَهُمْ يُشَرِّعُونَ الشَّرَائِعَ، وَيُبْطِلُونَ أَحْكَامَ اللَّهِ تَعَالَى وَأَحْكَامَ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْقِيَاسِ الَّذِي يُقِرُّونَ بِأَنَّهُ ظَنٌّ - وَقَدْ كَذَبُوا: مَا حَكَمَ الْقَافَةُ بِظَنٍّ، بَلْ بِعِلْمٍ صَحِيحٍ يَتَعَلَّمُهُ مَنْ طَلَبَهُ وَعُنِيَ بِهِ، وَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيَحْكُمَ بِالظَّنِّ.
ثُمَّ مَعَ هَذَا كُلِّهِ يَحْكُمُونَ بِجَهْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، إذْ يُلْحِقُ الْوَلَدَ بِامْرَأَتَيْنِ يَجْعَلُ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أُمَّهُ الَّتِي وَلَدَتْهُ، وَيُورِثُهُ مِنْهُمَا مِيرَاثَ الِابْنِ مِنْ الْأُمِّ، وَيُورِثُهُمَا مِنْهُ مِيرَاثَ الْأُمِّ مِنْ الْوَلَدِ، وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِ أَخَوَاتِهِمَا جَمِيعًا - فَهَذَا هُوَ الرُّعُونَةُ حَقًّا، وَالْجَهْلُ الْأَعْمَى، لَا مَا سُرَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحَكَمَ بِهِ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَلَا يَخْرُجُ عَنْ حُكْمِ الْقَافَةِ شَيْءٌ إلَّا مَوْضِعٌ وَاحِدٌ -: وَهُوَ الرَّجُلَانِ فَصَاعِدًا يَتَدَاعَيَانِ الْوَلَدَ؟ فَإِنَّ هَاهُنَا إنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ وَلَا عُرْفٌ لِأَيِّهِمَا كَانَ الْفِرَاشُ، وَإِلَّا أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا كَمَا ذَكَرْنَا.
لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ أَوْ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ صَالِحِ بْنِ حَيٍّ عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ الْحَضْرَمِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: «كَانَ عَلِيٌّ بِالْيَمَنِ فَأَتَى بِامْرَأَةٍ وَطِئَهَا ثَلَاثَةٌ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ، فَسَأَلَ اثْنَيْنِ: أَتُقِرَّانِ لِهَذَا بِالْوَلَدِ؟ فَلَمْ يُقِرَّا، ثُمَّ سَأَلَ اثْنَيْنِ: أَتُقِرَّانِ لِهَذَا بِالْوَلَدِ؟ فَلَمْ يُقِرَّا، ثُمَّ سَأَلَ اثْنَيْنِ، حَتَّى فَرَغَ، فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ، فَأَلْزَمَ الْوَلَدَ لِلَّذِي خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ، وَجَعَلَ عَلَيْهِ ثُلُثَيْ الدِّيَةِ فَرَفَعَ ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ» .
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا يَضْحَكُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُونَ أَنْ يُنْكِرَ مَا يَرَى أَوْ يَسْمَعُ مَا لَا