وَأَمَّا الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَقَدْ فَازُوا - وَهُمْ وَاَللَّهِ مَأْجُورُونَ - فِي كُلِّ مَا قَالُوهُ قَاصِدِينَ بِهِ الْحَقَّ، وَإِنَّمَا الشَّأْنُ فِيمَنْ قَالَ قَوْلًا فِي الدِّينِ لَمْ يَأْتِ بِهِ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ.
فَإِذَا قِيلَ لَهُ: مِنْ أَيْنَ قُلْته؟ قَالَ: لِأَنَّ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ قَالَهُ.
فَإِذَا قِيلَ لَهُ: فَفِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ نَفْسِهَا لَهُمَا قَوْلٌ خَالَفْتُمُوهُ -: هُوَ أَصَحُّ عَنْهُمَا مِنْ الَّذِي زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ احْتَجَجْتُمْ بِهِمَا فِيهِ؟ لَجُّوا عَلَى تَقْلِيدِهِمْ إعْرَاضًا عَنْ الْحَقِّ بِلَا بُرْهَانٍ أَصْلًا.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِذًا لَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يَجُوزُ فَسْخُ نِكَاحِ أَحَدٍ بِمَغِيبِهِ، وَلَا إيجَابُ عِدَّةٍ مِمَّنْ لَمْ يَصِحَّ مَوْتُهُ، وَلَا أَنْ يُطَلِّقَ أَحَدٌ عَنْ غَيْرِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَمِنْ الْعَجَبِ قَوْلُ مَالِكٍ " إنْ جَاءَ الزَّوْجُ قَبْلَ أَنْ تَتَزَوَّجَ فَهُوَ أَوْلَى بِهَا وَهِيَ امْرَأَتُهُ كَمَا كَانَتْ " فَيُقَالُ لِمَنْ قَلَّدَهُ: وَمِنْ أَيْنَ قُلْت هَذَا وَأَنْت قَدْ قَطَعْت عِصْمَتَهُ مِنْهَا وَأَبَحْت لَهَا أَنْ تَنْكِحَ مَنْ شَاءَتْ؟ وَكَيْفَ تَرُدُّهَا إلَى أَجْنَبِيٍّ قَدْ أَبَحْت لَهَا نِكَاحَ زَوْجٍ سِوَاهُ مِنْ أَجْلِ تَأْخِيرِهَا نِكَاحًا قَدْ أَبَحْته لَهَا عَادَتْ إلَى زَوْجٍ قَدْ فَسَخْت نِكَاحَهَا مِنْهُ؟ هَذَا مَعَ أَنَّهُ قَوْلٌ لَا يُحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَ مَالِكٍ، فَاعْجَبُوا لِهَذَا الِاخْتِيَارِ؟
ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ: وَمِنْ أَيْنَ قُلْتُمْ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: إنَّهُ إنْ جَاءَ الزَّوْجُ - وَهِيَ قَدْ تَزَوَّجَتْ - فَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَيْهَا مِنْ أَجْلِ عَقْدٍ قَدْ كَانَ لَهَا مُبَاحًا، إذْ رَدَدْتهَا إلَيْهِ بِكُلِّ حَالٍ، فَقُولُوا لَنَا: أَيُّ شَيْءٍ أَحْدَثَهُ عَقْدُهَا النِّكَاحَ مِنْ تَحْرِيمِهَا عَلَى زَوْجِهَا مِمَّنْ لَمْ تُحْدِثْهُ إبَاحَتُك لَهَا ذَلِكَ الْعَقْدَ، فَأَجَزْت عَقْدَهَا.
ثُمَّ قَوْلُهُ الثَّانِي: مِنْ أَنَّهُ إنْ جَاءَ الزَّوْجُ - قَدْ تَزَوَّجَتْ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَهِيَ زَوْجَةُ الْأَوَّلِ - وَإِنْ جَاءَ بَعْدَ دُخُولِ الثَّانِي بِهَا فَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهَا؟ فَقُولُوا لَنَا: هَلْ دَخَلَ الزَّوْجُ الثَّانِي عَلَى زَوْجَتِهِ، أَوْ عَلَى أَجْنَبِيَّةٍ؟ فَإِنْ قَالُوا: عَلَى زَوْجَتِهِ؟ قُلْنَا: فَمِنْ أَيْنَ أَبَحْتُمْ فَرْجَ زَوْجَتِهِ الَّتِي أَحْلَلْتُمْ لَهُ الدُّخُولَ بِهَا لِإِنْسَانٍ قَدْ فَسَخْتُمْ نِكَاحَهُ مِنْهَا، وَحَرَّمْتُمُوهَا عَلَيْهِ وَعَقَدْتُمْ نِكَاحَهَا مَعَ غَيْرِهِ؟ وَإِنْ قَالُوا: بَلْ دَخَلَ عَلَى غَيْرِ زَوْجَتِهِ؟ وَمِنْ أَيْنَ اسْتَحْلَلْتُمْ أَنْ تُبِيحُوا لَهُ وَطْءَ غَيْرِ زَوْجَتِهِ؟ -: