قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، فَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَبْلَهُمَا قَالَ بِمَا قَالَا مِنْ تَقْسِيمِ مَا قَسَّمَاهُ، مَعَ أَنَّهُ لَا يُؤَيِّدُ قَوْلَهُمَا قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ، وَلَا رِوَايَةٌ سَقِيمَةٌ، وَلَا قِيَاسٌ، وَلَا رَأْيٌ لَهُ وَجْهٌ، وَمَا يَدْرِي أَحَدٌ وَجْهَ التَّفْرِيقِ بَيْنَ تَحْرِيمِ الزَّوْجَةِ، وَبَيْنَ تَحْرِيمِ الْأَمَةِ، وَغَيْرِهَا - وَالْأَمَةُ تَحْرُمُ بِالْعِتْقِ كَمَا تَحْرُمُ الزَّوْجَةُ بِالطَّلَاقِ، وَكَمَا يَحْرُمُ الْمَتَاعُ بِالصَّدَقَةِ بِهِ، وَبِبَيْعِهِ، وَقَدْ تَحِلُّ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا بَعْدَ زَوْجٍ، فَهَلَّا قَالُوا بِتَحْرِيمِهَا فِي الْأَبَدِ، كَمَا قَالُوا فِي النَّاكِحِ فِي الْعِدَّةِ يَدْخُلُ بِهَا، فَكَانَ يَكُونُ قَدْ أَتَمَّ فِي التَّحْرِيمِ. وَكَذَلِكَ لَا يَعْلَمُ أَحَدٌ وَجْهَ التَّفْرِيقِ بَيْنَ تَحْرِيمِ الزَّوْجَةِ الَّتِي أَحَلَّهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَبَيْنَ تَحْرِيمِ الطَّعَامِ الَّذِي أَحَلَّهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَدْ سَوَّى بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ عَطَاءٌ، وَغَيْرُهُ. وَأَطْرَفُ شَيْءٍ تَفْرِيقُهُمْ بَيْنَ الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا، وَحُجَّتُهُمْ فِي ذَلِكَ: أَنَّ الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا تُبِينُهَا الْوَاحِدَةُ؟ فَقُلْنَا لَهُمْ: وَالْمَدْخُولُ بِهَا عِنْدَكُمْ أَيْضًا تُبِينُهَا الْوَاحِدَةُ الْبَائِنَةُ، فَمَا الْفَرْقُ؟ إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ - وَكَذَلِكَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ: إنْ نَوَى اثْنَتَيْنِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَهِيَ ثَلَاثٌ - وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِأَنَّ الطَّلَاقَ الْبَائِنَ لَا يُرْتَدَفُ عَلَى الطَّلَاقِ الْبَائِنِ، وَنَسَوْا قَوْلَهُمْ: إنَّ الْخُلْعَ طَلَاقٌ بَائِنٌ، وَأَنَّهُ إنْ طَلَّقَهَا فِي عِدَّتِهَا لَحِقَتْهَا طَلْقَةٌ أُخْرَى بَائِنَةٌ، فَاعْجَبُوا لِتَنَاقُضِهِمْ؟ ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: إنْ نَوَى إيلَاءً؛ أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَهُوَ إيلَاءٌ، وَإِنْ نَوَى الظِّهَارَ لَمْ يَكُنْ ظِهَارًا، لَيْتَ شَعْرِي. مِنْ أَيْنَ خَرَجَ هَذَا الْفَرْقُ. وَكَذَلِكَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ: إنْ نَوَى طَلَاقًا فَهُوَ طَلَاقٌ، وَإِنْ نَوَى إيلَاءً لَمْ يَكُنْ إيلَاءً، وَإِنْ نَوَى ظِهَارًا لَمْ يَكُنْ ظِهَارًا - وَهَذَا فَرْقٌ لَا يُعْرَفُ وَجْهُهُ. فَإِنْ قِيلَ: لِلظِّهَارِ، وَلِلْإِيلَاءِ أَلْفَاظٌ لَا يَكُونَانِ إلَّا بِهَا؟ . قُلْنَا: وَلِلطَّلَاقِ لَفْظٌ لَا يَكُونُ إلَّا بِهِ. فَإِنْ قَالُوا: قَدْ يَكُونُ الطَّلَاقُ بِغَيْرِ لَفْظِ الطَّلَاقِ؟ قُلْنَا: وَقَدْ يَكُونُ الظِّهَارُ عِنْدَكُمْ بِغَيْرِ ظَهْرِ الْأُمِّ، وَقَدْ يَكُونُ الْإِيلَاءُ عِنْدَكُمْ بِغَيْرِ ذِكْرِ الْأَلْيَةِ - بِاَللَّهِ تَعَالَى وَلَا فَرْقَ.