أَوْجَبَ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - نَفَقَةَ النِّسَاءِ وَكِسْوَتَهُنَّ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ، لَمْ يَخُصَّ حُرًّا مِنْ عَبْدٍ.
وَإِذْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء: 4] .
وَلَمْ يَخُصَّ تَعَالَى حُرًّا مِنْ عَبْدٍ: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] . وَفِيمَا ذَكَرْنَا خِلَافٌ نَذْكُرُ مِنْهُ مَا تَيَسَّرَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى -:
فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ قَالَ: فِي الْمَرْأَةِ الْبَالِغَةِ الْمَرِيضَةِ - الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا زَوْجُهَا - أَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا عَلَيْهِ إذَا كَانَ مَرَضُهَا يَمْنَعُ مِنْ وَطْئِهَا - فَإِنْ بَنَى بِهَا وَهِيَ كَذَلِكَ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهَا وَلَا يُنْفِقَ عَلَيْهَا حَتَّى يَقْدِرَ عَلَى جِمَاعِهَا فَإِنْ أَمْسَكَهَا فَعَلَيْهِ نَفَقَتُهَا.
قَالَ: فَإِنْ مَرِضَتْ عِنْدَهُ بَعْدَ أَنْ دَخَلَ بِهَا صَحِيحَةً - فَعَلَيْهِ نَفَقَتُهَا وَلَيْسَ لَهُ رَدُّهَا.
قَالَ: فَإِنْ بَنَى بِالرَّتْقَاءِ فَعَلَيْهِ نَفَقَتُهَا وَلَيْسَ لَهُ رَدُّهَا.
وَهَذِهِ مُنَاقَضَاتٌ طَرِيفَةٌ فِي السَّخَافَةِ جِدًّا.
وَقَالَ: إنْ سُجِنَتْ الْمَرْأَةُ أَوْ حِيلَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا كَرْهًا فَلَا نَفَقَةَ لَهَا عَلَيْهِ.
وَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ عُمَرَ فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ عَلَى الْغَائِبِ مُدَّةَ مَغِيبِهِ وَإِنْ طَلَّقَ.
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: سُئِلَ ابْنُ شِهَابٍ عَنْ الْمَرْأَةِ تُنْفِقُ عَلَى نَفْسِهَا مِنْ الَّذِي لَهَا وَتَتَسَلَّفُ؟ قَالَ: نَرَى أَنْ يُؤْخَذَ بِهِ زَوْجُهَا بِالسَّدَادِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ وَضَعَ لَهَا مَا يُصْلِحُهَا. قَالَ يُونُسُ: وَهُوَ قَوْلُ رَبِيعَةَ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا الْحَقُّ، لِأَنَّهُ إنْ ادَّعَى أَنَّهُ أَنْفَقَ فَهُوَ مُدَّعٍ لِسُقُوطِ حَقٍّ لَهَا ثَبَتَ قَبْلَهُ، فَالْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ، وَالْيَمِينُ عَلَيْهَا.
وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ.
رُوِّينَا عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: مَا أَنْفَقَتْ مِنْ مَالِهَا فَلَا شَيْءَ لَهَا فِيهِ، وَمَا اسْتَدَانَتْ فَهُوَ عَلَى الزَّوْجِ - وَهَذَا تَقْسِيمٌ لَا يَقُومُ بِصِحَّتِهِ بُرْهَانٌ.
وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ: لَا نَفَقَةَ لِلْمَرْأَةِ إلَّا إذَا شَكَتْ إلَى الْجِيرَانِ، فَمِنْ حِينِ تَشْكُو تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ، وَيُؤْخَذُ بِهَا الزَّوْجُ - وَهَذَا تَحْدِيدٌ فَاسِدٌ.