رُوِّينَا فِي حَدِيثِ أَبِي طَيْبَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ أَهْلَهُ أَنْ يُخَفِّفُوا عَنْهُ مِنْ خَرَاجِهِ» .
وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} [النساء: 35] فَلَا يَخْلُو ضَرُورَةً الضَّمِيرُ الَّذِي فِي " بَيْنِهِمَا " مِنْ أَنْ يَكُونَ رَاجِعًا إلَى الزَّوْجَيْنِ وَهَكَذَا نَقُولُ أَوْ يَكُونَ رَاجِعًا إلَى الْحَكَمَيْنِ، فَنَصُّ الْآيَةِ: أَنَّهُ إنَّمَا يُوَفِّقُ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَهُمَا إنْ أَرَادَا إصْلَاحًا، وَالْإِصْلَاحُ هُوَ قَطْعُ الشَّرِّ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ.
فَإِنْ قِيلَ: قَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128] يَعْنِي الطَّلَاقَ، وَقَدْ قُرِئَ " أَنْ يُصْلِحَا "؟ .
قُلْنَا: نَعَمْ، وَإِنَّمَا رَدَّ عَزَّ وَجَلَّ هَذَا الصُّلْحَ إلَى اخْتِيَارِ الزَّوْجَيْنِ، لَا إلَى غَيْرِهِمَا، وَعَلَيْهِمَا، وَلَا يُعْرَفُ فِي اللُّغَةِ، وَلَا فِي الشَّرِيعَةِ: أَصْلَحْت بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ - أَيْ طَلَّقْتهَا عَلَيْهِ - وَقَدْ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي هَذَا -: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَهُمَا أَنْ يُفَرِّقَا -: كَمَا رُوِّينَا - أَنَّ عُثْمَانَ بَعَثَ ابْنَ عَبَّاسٍ وَمُعَاوِيَةَ حَكَمَيْنِ بَيْنَ عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَامْرَأَتِهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ فَقِيلَ لَهُمَا: إنْ رَأَيْتُمَا أَنْ تُفَرِّقَا فَرَّقْتُمَا.
وَهَذَا خَبَرٌ لَا يَصِحُّ، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ إلَّا مُنْقَطِعًا.
رُوِّينَاهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا: مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيُّ - وَهُوَ ضَعِيفٌ - وَصَحَّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَالَ لِلْحَكَمَيْنِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ: عَلَيْكُمَا إنْ رَأَيْتُمَا أَنْ تُفَرِّقَا فَرَّقْتُمَا، وَإِنْ رَأَيْتُمَا أَنْ تَجْمَعَا جَمَعْتُمَا.
وَصَحَّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ؛ وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، وَعَنْ رَبِيعَةَ وَشُرَيْحٍ، وَرُوِيَ عَنْ طَاوُسٍ وَالنَّخَعِيِّ.
وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِنَا، إلَّا ابْنَ الْمُغَلِّسِ.
وَقَالَ آخَرُونَ: لَيْسَ لِلْحَكَمَيْنِ أَنْ يُفَرِّقَا - نا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ الْعُذُرِيُّ نا أَبُو ذَرٍّ الْهَرَوِيُّ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمَّوَيْهِ السَّرَخْسِيُّ نا إبْرَاهِيمُ بْنُ خُرَيْمٍ نا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ الْكَشِّيُّ نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ نا هِشَامٌ - هُوَ ابْنُ حَسَّانَ - عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: لَهُمَا - يَعْنِي الْحَكَمَيْنِ - أَنْ يُصْلِحَا، وَلَيْسَ لَهُمَا أَنْ يُفَرِّقَا