قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا قَوْلٌ فَاسِدٌ، لِأَنَّهُ يُصَيِّرُ التَّوْقِيفَ فِي الْإِيلَاءِ بِلَا شَكٍّ عَامًا كَامِلًا، وَهَذَا خِلَافُ الْقُرْآنِ، وَإِذَا بَطَلَ التَّوْقِيفُ بَطَلَ الْإِيلَاءُ الَّذِي أَوْجَبَهُ بِلَا شَكٍّ.
وَقَالَ مَالِكٌ: لَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا، فَإِنْ وَطِئَهَا سَقَطَ عَنْهُ الْإِيلَاءُ، وَإِنْ لَمْ يَطَأْهَا بَانَتْ عَنْهُ عِنْدَ تَمَامِ عِدَّتِهَا مِنْ طَلَاقِ الْحَاكِمِ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا كَلَامٌ لَا نَدْرِي كَيْفَ قَالَهُ قَائِلهُ؟ إذْ لَيْسَ فِي الْبَاطِلِ أَكْثَرُ مِنْ إجَازَةِ كَوْنِ امْرَأَةٍ فِي عِصْمَةِ زَوْجٍ صَحِيحِ الزَّوْجِيَّةِ، وَهِيَ فِي عِدَّةٍ مِنْ طَلَاقِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ، وَمَا نَعْلَمُ فِي أَيِّ دِينِ اللَّهِ تَعَالَى وُجِدَ هَذَا؟
وَاعْلَمُوا أَنَّ قَوْلَ مَالِكٍ لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ قَبْلَهُ، وَلَا قَالَهُ أَحَدٌ غَيْرَهُ إلَّا مَنْ اُبْتُلِيَ بِتَقْلِيدِهِ، ثُمَّ إنَّ قَوْلَهُ الَّذِي اتَّبَعَهُ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ: مِنْ أَنْ يُطَلِّقَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، لَمْ يُحْفَظْ قَطُّ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَ مَالِكٍ - وَهُوَ قَوْلٌ مُخَالِفٌ لِلْقُرْآنِ، وَلِلسُّنَنِ كُلِّهَا، وَلِلْقِيَاسِ وَالْمَعْقُولِ -: أَمَّا الْقُرْآنُ - فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ} [البقرة: 227] فَجَعَلَ عَزِيمَةَ الطَّلَاقِ إلَى الزَّوْجِ الْمُؤْلِي لَا إلَى غَيْرِهِ.
وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا} [الأنعام: 164] .
فَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يُطَلِّقَ أَحَدٌ عَلَى غَيْرِهِ، لَا حَاكِمٌ وَلَا غَيْرُ حَاكِمٍ.
وَأَمَّا السُّنَنُ - فَإِنَّهَا إنَّمَا جَاءَتْ فِي مَوَاضِعَ مَعْرُوفَةٍ بِفَسْخِ النِّكَاحِ، وَإِمَّا بِطَلَاقِ أَحَدٍ عَنْ غَيْرِهِ فَلَا أَصْلًا، وَكُلُّ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ فِي هَذَا كَلِمَةٌ، فَإِنَّمَا قَالَ بِقَوْلِنَا: إمَّا أَنْ يَفِيءَ، وَإِمَّا أَنْ يُطَلِّقَ؟ فَالْوَاجِبُ أَنْ يُجْبَرَ عَلَى أَيُّهُمَا شَاءَ وَلَا بُدَّ.
وَأَمَّا الْقِيَاسُ - فَلَا أَدْرِي مِنْ أَيْنَ أَجَازُوا أَنْ يُطَلِّقَ الْحَاكِمُ عَلَى الْمُؤْلِي؟ وَلَمْ يُجِيزُوا أَنْ يَفِيءَ عَنْهُ - وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ.
فَإِنْ قَالُوا: لَا يَحِلُّ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَسْتَحِلَّ فَرْجَ امْرَأَةِ سِوَاهُ فَيَكُونُ زِنًى؟ قُلْنَا لَهُ: وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُبِيحَ فَرْجَ امْرَأَةِ سِوَاهُ لِغَيْرِ زَوْجِهَا بِأَنْ يُطَلِّقَهَا عَلَيْهِ فَيَكُونُ إبَاحَةً لِلزِّنَا وَلَا فَرْقَ.
فَإِنْ قَالُوا: أَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ أَنْ يَفْسَخَ نِكَاحَهُ وَبَيْنَ أَنْ يُطَلِّقَهَا عَلَيْهِ؟ قُلْنَا: وَلَا فَرْقَ، وَمَا أَجَزْنَا قَطُّ أَنْ يَفْسَخَ الْحَاكِمُ نِكَاحَ امْرَأَةٍ فِي الْعَالَمِ عَنْ زَوْجِهَا، وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ؟