فَصَحَّ أَنَّ طَلَاقَ الْحَاكِمِ عَلَيْهِ فُضُولٌ، وَبَاطِلٌ، وَتَعَدٍّ لِحُدُودِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يُطَلِّقَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، أَوْ أَنْ يَفِيءَ عَنْهُ غَيْرُهُ، وَإِنَّمَا أَوْجَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْحُكْمَ الْمَذْكُورَ عَلَى مَنْ آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ، لَا عَلَى مَنْ آلَى مِمَّنْ لَيْسَتْ مِنْ نِسَائِهِ، وَإِذَا لَمْ يَلْزَمْ الْحُكْمُ حِينَ كَوْنِ مَا يُوجِبُهُ لَمْ يَلْزَمْهُ بَعْدَ ذَلِكَ، إلَّا بِنَصٍّ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
فَإِنْ طَلَّقَهَا ثُمَّ رَاجَعَهَا فَقَدْ سَقَطَ عَنْهُ حُكْمُ الْإِيلَاءِ، لِأَنَّهُ قَدْ فَعَلَ مَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَمَنْ فَعَلَ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَقَدْ أَحْسَنَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91] .
وَفِي كَثِيرٍ مِمَّا ذَكَرْنَا خِلَافٌ، قَدْ رَأَى قَوْمٌ أَنَّ الْهِجْرَةَ بِلَا يَمِينٍ لَهُ حُكْمُ الْإِيلَاءِ.
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ لَهُ: مَا فَعَلَتْ أَهْلُكَ عَهْدِي بِهَا لَسُنَّةٌ سَيِّئَةُ الْخَلْقِ؟ قَالَ: أَجَلْ وَاَللَّهِ لَقَدْ خَرَجَتْ وَمَا أُكَلِّمُهَا، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: عَجِّلْ السَّيْرَ، أَدْرِكْهَا قَبْلَ أَنْ تَمْضِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، فَإِنْ مَضَتْ فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ.
وَصَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا ابْنُ جُرَيْجٍ نا أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ يُحَدِّثُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: الْإِيلَاءُ هُوَ أَنْ يَحْلِفَ أَنْ لَا يَأْتِيَهَا أَبَدًا.
وَصَحَّ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ الْإِيلَاءَ إنَّمَا هُوَ أَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ عَلَى الْجِمَاعِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ، فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ فَلَيْسَ إيلَاءٌ. وَمِمَّنْ قَالَ مِثْلَ قَوْلِنَا بَعْضُ السَّلَفِ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، قَالَ: إذَا حَلَفَ بِاَللَّهِ لَيَغِيظَنَّهَا، أَوْ لَيَسُؤَنَّهَا، أَوْ لَيَحْرِمَنَّهَا، أَوْ لَا يَجْمَعُ رَأْسَهُ وَرَأْسَهَا: فَهُوَ إيلَاءٌ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ خُصَيْفٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: كُلُّ يَمِينٍ حَالَتْ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ فَهِيَ إيلَاءٌ.
وَمِمَّنْ قَالَ بِقَوْلِنَا فِي الْأَيْمَانِ بَعْضُ السَّلَفِ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ عَبْدِ الْخَالِقِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ فِي رَجُلٍ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَنْ قَرُبْتُك؟ قَالَ لَيْسَ بِشَيْءٍ.