قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ النِّكَاحَ يَحْتَاجُ إلَى نَاكِحٍ وَمُنْكِحٍ - فَنَعَمْ.
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النَّاكِحُ هُوَ الْمُنْكِحَ - فَفِي هَذَا نَازَعْنَاهُمْ، بَلْ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ النَّاكِحُ هُوَ الْمُنْكِحَ، فَدَعْوَى كَدَعْوَى.
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ مِنْ نَفْسِهِ، فَهِيَ جُمْلَةٌ لَا تَصِحُّ كَمَا ذَكَرُوا، بَلْ جَائِزٌ إنْ وُكِّلَ بِبَيْعِ شَيْءٍ أَنْ يَبْتَاعَهُ لِنَفْسِهِ إذَا لَمْ يُحَابِهَا بِشَيْءٍ.
وَأَمَّا خَبَرُ الْمُغِيرَةِ فَلَا حُجَّةَ فِيمَنْ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
فَبَقِيَ عَلَيْنَا أَنْ نَأْتِيَ بِالْبُرْهَانِ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا، فَوَجَدْنَا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا مُسَدَّدٌ عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ الْحَبْحَابِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْتَقَ صَفِيَّةَ وَتَزَوَّجَهَا وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا وَأَوْلَمَ عَلَيْهَا بِحَيْسٍ» .
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَهَذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَوَّجَ مَوْلَاتَهُ مِنْ نَفْسِهِ وَهُوَ الْحُجَّةُ عَلَى مَنْ سِوَاهُ.
وَأَيْضًا: فَإِنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ» فَمَنْ أَنْكَحَ وَلِيَّتَهُ مِنْ نَفْسِهِ بِإِذْنِهَا فَقَدْ نُكِحَتْ بِإِذْنِ وَلِيِّهَا فَهُوَ نِكَاحٌ صَحِيحٌ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنْ يَكُونَ الْوَلِيُّ غَيْرَ النَّاكِحِ وَلَا بُدَّ، فَإِذْ لَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَهُوَ جَائِزٌ.
قَالَ تَعَالَى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: 119] .
فَهَذَا مِمَّا لَمْ يُفَصِّلْ عَلَيْنَا تَحْرِيمَهُ.
وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور: 32] فَمَنْ أَنْكَحَ أَيِّمَةً مِنْ نَفْسِهِ بِرِضَاهَا فَقَدْ فَعَلَ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، وَلَمْ يَمْنَعْ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْمُنْكِحُ لِأَيِّمَةٍ هُوَ النَّاكِحَ لَهَا - فَصَحَّ أَنَّهُ الْوَاجِبُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.