فَسَوَاءٌ قَالَ لَهُ: اشْهَدْ بِهَذَا عَلَيَّ أَوْ أَنَا أُشْهِدُك أَوْ لَمْ يَقُلْ لَهُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، أَوْ لَمْ يُخَاطِبْهُ أَصْلًا، لَكِنْ خَاطَبَ غَيْرَهُ، أَوْ قَالَ لَهُ: لَا تَشْهَدْ عَلَيَّ فَلَسْت أُشْهِدُك - كُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ - وَفُرِضَ عَلَيْهِ أَنْ يَشْهَدَ بِكُلِّ ذَلِكَ.
وَفُرِضَ عَلَى الْحَاكِمِ قَبُولُ تِلْكَ الشَّهَادَةِ وَالْحُكْمُ بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا قَوْلُ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَلَا قِيَاسٌ بِالْفَرْقِ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَشْهَدُ حَتَّى يُقَالَ لَهُ: اشْهَدْ عَلَيْنَا.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ الشَّاهِدُ لِلْقَاضِي: أَنَا أُخْبِرُك، أَوْ أَنَا أَقُولُ لَك، أَوْ أَنَا أُعْلِمُك، أَوْ لَمْ يَقُلْ: أَنَا أَشْهَدُ - فَكُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ - وَكُلُّ ذَلِكَ شَهَادَةٌ تَامَّةٌ فُرِضَ عَلَى الْحَاكِمِ الْحُكْمُ بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا قَوْلُ صَاحِبٍ، وَلَا قِيَاسٌ، وَلَا مَعْقُولٌ: بِالْفَرْقِ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ -.
وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
فَإِنْ قِيلَ: إنَّ الْقُرْآنَ، وَالسُّنَّةَ وَرَدَا بِتَسْمِيَةِ ذَلِكَ شَهَادَةً.
قُلْنَا: نَعَمْ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ حَتَّى يَقُولَ: أَنَا أَشْهَدُ فَقَدْ جَعَلْنَا مُعْتَمَدَنَا وَجَعَلْتُمْ مُعْتَمَدَكُمْ فِي رَدِّ شَهَادَةِ الْفَاسِقِ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] .
- فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ شَهَادَةٍ نَبَأٌ، وَكُلَّ نَبَأٍ شَهَادَةٌ وَكِلَاهُمَا خَبَرٌ، وَكِلَاهَا قَوْلٌ، وَكُلُّ ذَلِكَ حِكَايَةٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
1810 - مَسْأَلَةٌ: وَالْحُكْمُ بِالْقَافَةِ فِي لِحَاقِ الْوَلَدِ وَاجِبٌ فِي الْحَرَائِرِ وَالْإِمَاءِ - وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ.
وَقَالَ مَالِكٌ: يُحْكَمُ بِشَهَادَتِهِمْ فِي وَلَدِ الْأَمَةِ، وَلَا يُحْكَمُ بِهِ فِي وَلَدِ الْحُرَّةِ - وَهَذَا تَقْسِيمٌ بِلَا بُرْهَانٍ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُحْكَمُ بِهِمْ فِي شَيْءٍ.
بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُرَّ بِقَوْلِ مُجَزِّزٍ الْمُدْلِجِيِّ إذْ رَأَى أَقْدَامَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، وَابْنَهُ أُسَامَةَ فَقَالَ: إنَّ هَذِهِ الْأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ» - وَهُوَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا يُسَرُّ بِبَاطِلٍ، وَلَا يُسَرُّ إلَّا بِحَقٍّ مَقْطُوعٍ بِهِ.