لِلتِّجَارَةِ فَخَرَجَ مَعَهُمْ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَهْمٍ، فَتُوُفِّيَ بِأَرْضٍ لَيْسَ فِيهَا مُسْلِمٌ، فَأَوْصَى إلَيْهِمَا، فَدَفَعَا تَرِكَتَهُ إلَى أَهْلِهِ وَحَبَسَا جَامًا مِنْ فِضَّةٍ، مُخَوَّصًا بِالذَّهَبِ، فَفَقَدَهُ أَوْلِيَاؤُهُ، فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاسْتَحْلَفَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا كَتَمْنَا، وَلَا اطَّلَعْنَا، ثُمَّ عُرِفَ الْجَامُ بِمَكَّةَ، فَقَالُوا: اشْتَرَيْنَاهُ مِنْ تَمِيمٍ، وَعَدِيٍّ، فَقَامَ رَجُلَانِ مِنْ أَوْلِيَاءِ السَّهْمِيِّ فَحَلَفَا بِاَللَّهِ إنَّ هَذَا لَجَامُ السَّهْمِيِّ، {لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ} [المائدة: 107] فَأَخَذَا الْجَامَ، وَفِيهِمْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ» .
وَبِقَوْلِنَا يَقُولُ جَهْوَرُ السَّلَفِ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: أَنَّ آخِرَ سُورَةٍ نَزَلَتْ سُورَةُ الْمَائِدَةِ، فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهَا حَلَالًا فَحَلِّلُوهُ، وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهَا حَرَامًا فَحَرِّمُوهُ، وَهَذِهِ الْآيَةُ فِي الْمَائِدَةِ - فَبَطَلَ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ وَصَحَّ أَنَّهَا مُحْكَمَةٌ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: هَذَا لِمَنْ مَاتَ وَعِنْدَهُ الْمُسْلِمُونَ فَأَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى وَصِيَّتِهِ عَدْلَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ} [المائدة: 106] فَهَذَا لِمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ عِنْدَهُ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَأَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يُشْهِدَ عَلَى وَصِيَّتِهِ رَجُلَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ اُرْتِيبَ بِشَهَادَتِهِمَا اُسْتُحْلِفَا بَعْدَ الصَّلَاةِ بِاَللَّهِ لَا نَشْتَرِي بِشَهَادَتِنَا ثَمَنًا قَلِيلًا فَإِذَا اطَّلَعَ الْأَوَّلِيَّانِ عَلَى الْكَافِرَيْنِ كَذِبًا حَلَفَا: بِاَللَّهِ إنَّ شَهَادَةَ الْكَافِرَيْنِ بَاطِلٌ، وَإِنَّا لَمْ نَغْدِرْ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا: فِي قَوْله تَعَالَى: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة: 106] قَالَ: مِنْ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ.
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، وَزِيَادِ بْنِ أَيُّوبَ، قَالَا جَمِيعًا: نا هُشَيْمٌ نا زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ " بِدَقُوقَا " فَلَمْ يَجِدْ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَشْهَدُ عَلَى وَصِيَّتِهِ، فَأَشْهَدَ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَأَتَيَا أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ فَأَخْبَرَاهُ وَقَدِمَا بِتَرِكَتِهِ وَوَصِيَّتِهِ فَقَالَ أَبُو مُوسَى: هَذَا أَمْرٌ لَمْ يَكُنْ بَعْدَ الَّذِي كَانَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَأَحْلَفَهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ " بِاَللَّهِ مَا خَانَا وَلَا كَذَبَا وَلَا بَدَّلَا وَلَا كَتَمَا، وَلَا غَيَّبَا، وَأَنَّهَا لَوَصِيَّةُ الرَّجُلِ وَتَرِكَتُهُ " فَأَمْضَى أَبُو مُوسَى شَهَادَتَهُمَا.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ