المحلي بالاثار (صفحة 3658)

وَقَالَ مَالِكٌ: تُرَدُّ الْيَمِينُ فِي الْأَمْوَالِ - وَلَا يَرَى رَدَّهَا فِي النِّكَاحِ، وَلَا فِي الطَّلَاقِ، وَلَا فِي الْعِتْقِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَسَائِرُ أَصْحَابِهِ: تُرَدُّ الْيَمِينُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَفِي الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ فَمَا دُونَهَا، وَفِي النِّكَاحِ، وَالطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ - فَمَنْ ادَّعَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ الطَّلَاقَ، وَعَبْدُهُ أَوْ أَمَتُهُ الْعَتَاقَ - وَمَنْ ادَّعَى عَلَى امْرَأَتِهِ النِّكَاحَ أَوْ ادَّعَتْهُ عَلَيْهِ وَلَا شَاهِدَ لَهُمَا وَلَا بَيِّنَةَ: لَزِمَتْهُ الْيَمِينُ: أَنَّهُ مَا طَلَّقَ، وَلَا أَعْتَقَ، وَلَزِمَتْهُ الْيَمِينُ: أَنَّهُ مَا أَنْكَحَهَا، أَوْ لَزِمَتْهَا الْيَمِينُ كَذَلِكَ، فَأَيُّهُمَا نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعِي - وَصَحَّ الْعِتْقُ، وَالنِّكَاحُ، وَالطَّلَاقُ، وَكَذَلِكَ فِي الْقِصَاصِ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ - فَظَاهِرُ الْخَطَأِ لِتَنَاقُضِهِ، وَلَئِنْ كَانَ رَدُّ الْيَمِينِ حَقًّا فِي مَوْضِعٍ، فَإِنَّهُ لَحَقٌّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَجِبُ فِيهِ الْيَمِينُ عَلَى الْمُنْكِرِ، وَلَئِنْ كَانَ بَاطِلًا فِي مَكَان، فَإِنَّهُ لَبَاطِلٌ فِي كُلِّ مَكَان، إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِإِيجَابِهِ فِي مَكَان دُونَ مَكَان: قُرْآنٌ أَوْ سُنَّةٌ، فَيَنْفُذُ ذَلِكَ، وَلَا سَبِيلَ إلَى وُجُودِ قُرْآنٍ وَلَا سُنَّةٍ بِذَلِكَ أَصْلًا - فَبَطَلَ قَوْلُ مَالِكٍ، إذْ لَا يُعَضِّدُهُ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا رِوَايَةٌ سَقِيمَةٌ، وَلَا قَوْلُ صَاحِبٍ قَبْلَهُ وَلَا قِيَاسٌ.

فَإِنْ قَالَ: إنَّمَا رُوِيَ عَنْ الصَّحَابَةِ فِي الْأَمْوَالِ.

قُلْنَا: بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ جُمْلَةً، وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَالْمِقْدَادِ فِي الدَّرَاهِمِ فِي الدَّيْنِ، فَمِنْ أَيْنَ لَكُمْ أَنْ تَقِيسُوا عَلَى ذَلِكَ سَائِرَ الْأَمْوَالِ، وَسَائِرَ الدَّعَاوَى مِنْ الْغُصُوبِ، وَغَيْرَ ذَلِكَ، وَلَمْ تَقِيسُوا عَلَيْهِ كُلَّ دَعْوَى، فَظَهَرَ فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ -.

وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى فِي رَدِّهِ الْيَمِينَ عَلَى الْمُتَّهَمِ، فَبَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ تَقْسِيمٌ لَمْ يَأْتِ بِهِ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَمَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْحُكْمِ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ الْيَمِينِ عَلَى الْكَافِرِ، وَالْكَاذِبِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَعَلَى رَسُولِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ الْيَهُودِ، وَالنَّصَارَى، وَالْمَجُوس، وَعَلَى الْمَشْهُورِينَ بِالْكَذِبِ، وَالْفِسْقِ، إلَّا الَّذِي جَعَلَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ، وَخُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ وَسَائِرِ الْمُهَاجِرِينَ، وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ: {أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحجرات: 15] وَفِي هَذَا إبْطَالُ كُلِّ رَأْيٍ، وَكُلِّ قِيَاسٍ، وَكُلِّ احْتِيَاطٍ فِي الدِّينِ، مِمَّا لَمْ يَأْتِ بِهِ نَصٌّ لَوْ أَنْصَفُوا مِنْ أَنْفُسِهِمْ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015