قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: وَلَوْ أَوْصَى لِزَيْدٍ بِالنَّفَقَةِ مَا عَاشَ؟ فَإِنْ جَوَّزَ الْوَرَثَةُ ذَلِكَ وُقِفَ لَهُ جَمِيعُ الْمَالِ كُلِّهِ، وَتَحَاصَّ هُوَ وَسَائِرُ الْمُوصَى لَهُمْ، إلَّا أَنْ يُعَيِّنَ الْمُوصَى لَهُمْ أَنْ يُنْفَقَ عَلَيْهِ مِنْ الثُّلُثِ، فَيُوقَفَ لَهُ الثُّلُثُ خَاصَّةً، وَيُحَاصُّ أَيْضًا الْمُوصَى لَهُمْ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُجْعَلُ لَهُ عُمْرُ مِائَةِ سَنَةٍ، ثُمَّ يُوقَفُ لَهُ الثُّلُثُ خَاصَّةً مَا يُنْفَقُ عَلَيْهِ فِيمَا بَقِيَ لَهُ مِنْ مِائَةِ سَنَةٍ، فَإِنْ عَاشَ أَكْثَرَ أُعْطِيَ النَّفَقَةَ أَيْضًا حَتَّى يَفْرُغَ الثُّلُثُ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذِهِ وَسَاوِسُ لَا تُعْقَلُ، وَالْأَسْعَارُ تَخْتَلِفُ اخْتِلَافًا مُتَبَايِنًا، فَكَيْفَ يُقْدَرُ عَلَى هَذَا الْجُنُونِ.
وَأَجَازَ أَبُو حَنِيفَةَ أَنْ يُوصِيَ لِإِنْسَانٍ بِخِدْمَةِ عَبْدٍ مَا عَاشَ، وَلِآخَرَ بِرَقَبَةِ ذَلِكَ الْعَبْدِ، وَرَأَى النَّفَقَةَ، وَالْكِسْوَةَ عَلَى الَّذِي أَوْصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ، وَرَأَى مَا وُهِبَ لِلْعَبْدِ لِلَّذِي لَهُ الرَّقَبَةُ.
قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا بَاطِلٌ أَيْضًا، وَمِنْ أَيْنَ أَسْتَحِلُّ أَنْ يُلْزِمَ الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ نَفَقَةَ غَيْرِ عَبْدِهِ وَكِسْوَتَهُ؟ إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ: مَنْ أَوْصَى بِعِتْقِ عَبْدِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ فَمَاتَ وَمَضَى شَهْرٌ لَمْ يُعْتَقْ إلَّا بِتَجْدِيدِ عِتْقٍ لِأَنَّهُ لَوْ جَنَى جِنَايَةً قَبْلَ تَمَامِ الشَّهْرِ كَانَ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يُسَلِّمُوهُ بِجِنَايَتِهِ.
قَالَ عَلِيٌّ: فَإِذْ مَلَّكَهُ لِلْوَرَثَةِ كَمَا قَالَ، فَكَيْفَ يُعْتَقُ عَبْدُهُمْ بِغَيْرِ رِضَاهُمْ، وَهَذَا كُلُّهُ لَا خَفَاءَ بِفَسَادِهِ.
وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَوْصَى بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ، أَوْ بِغَلَّةِ بُسْتَانِهِ، أَوْ بِسُكْنَى دَارِهِ، أَوْ بِنَفَقَتِهِ عَلَى إنْسَانٍ فَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ، فَلَوْ أَوْصَى بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ مَا عَاشَ لِزَيْدٍ، وَبِرَقَبَتِهِ لِعَمْرٍو فَهُوَ جَائِزٌ.
قَالَ: فَلَوْ أَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِخِدْمَةِ الْعَبْدِ وَهَبَ لِذَلِكَ الْعَبْدِ مَا أَوْصَى لَهُ بِهِ مِنْ خِدْمَتِهِ، أَوْ بَاعَهَا مِنْهُ: عَتَقَ الْعَبْدُ سَاعَتئِذٍ، وَلَا مَدْخَلَ لِلْوَرَثَةِ فِي ذَلِكَ.
قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا خِلَافُ أَقْوَالِهِ الْمَعْهُودَةِ مِنْ أَنَّ الْوَصِيَّةَ إذَا لَمْ يَقْبَلْهَا الْمُوصَى لَهُ بِهَا رَجَعَتْ مِيرَاثًا - وَهَذَا تَنَاقُضٌ مِنْ قَوْلِهِ.