قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَيْسَ مَغِيبُ بَيَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْقُرْآنِ أَوْ بِسُنَّتِهِ لِحُكْمِ: الْجَدِّ، وَالْكَلَالَةِ، وَالرِّبَا، عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمُوجِبٍ أَنَّ ذَلِكَ الْبَيَانَ غَابَ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَحَاشَ لِلَّهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ حُكْمٌ فِي الدِّينِ افْتَرَضَهُ عَلَى عِبَادِهِ، ثُمَّ غَابَ بَيَانُهُ عَنْ جَمِيعِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، إذَا كَانَ يَكُونُ ذَلِكَ حُكْمًا مِنْ الدِّينِ قَدْ بَطَلَ، وَشَرِيعَةً لَازِمَةً قَدْ سَقَطَتْ، وَلَكَانَ الدِّينُ نَاقِصًا - وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ الَّذِينَ قَلَّدَهُ - الْمُشَنِّعُونَ بِمِثْلِ هَذَا - دِينَهُمْ كَأَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ إلَّا وَهُمْ قَالُوا: بِأَنَّ حُكْمَ الْجَدِّ، وَالرِّبَا، وَالْكَلَالَةِ، قَدْ تَبَيَّنَ لَهُمْ: إمَّا بِنَصِّ قُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ، أَوْ نَظَرٍ أَوْ قِيَاسٍ.
فَإِنْ أَنْكَرَ هَذَا مُنْكِرٌ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى إنْكَارِ أَقْوَالِهِمْ فِي كُلِّ ذَلِكَ بِالْإِيجَابِ وَالتَّحْرِيمِ، فَإِنْ كَانَ قَوْلُهُمْ ذَلِكَ لَا عَنْ أَنَّهُ يَتَبَيَّنُ لَهُمْ مَا قَالُوهُ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ حَكَمُوا فِي الدِّينِ بِالْهَوَى، وَنَحْنُ نُجِلُّهُمْ عَنْ هَذَا - وَلِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ.
وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ نا أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ قَالَ: سَأَلْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ عَنْ فَرِيضَةٍ فِيهَا جَدٌّ؟ فَقَالَ: مَا تَصْنَعُ إلَى هَذَا - أَوْ تُرِيدُ إلَى هَذَا - إنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: أَجْرَؤُكُمْ عَلَى الْجَدِّ أَجْرَؤُكُمْ عَلَى النَّارِ، وَإِنَّمَا يَجْتَرِئُ عَلَى الْجَدِّ مَنْ يَجْتَرِئُ عَلَى النَّارِ.
وَمِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ بْنِ سُلَيْمَانَ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، وَعَبْدُ الْأَعْلَى، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ، كُلُّهُمْ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ عِنْدَ مَوْتِهِ: احْفَظُوا عَنِّي ثَلَاثًا -: إنِّي لَمْ أَقْضِ فِي الْجَدِّ شَيْئًا، وَلَمْ أَقُلْ فِي الْكَلَالَةِ شَيْئًا، وَلَمْ أَسْتَخْلِفْ أَحَدًا - فَهَذَا قَوْلُهُ عِنْدَ مَوْتِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ أَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عَمْرٍو الْخَارِقِيِّ: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عَنْ فَرِيضَةٍ؟ فَقَالَ: هَاتِهَا إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا جَدٌّ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ نَافِعٍ قَالَ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَجْرَؤُكُمْ عَلَى جَرَاثِيمِ جَهَنَّمَ أَجْرَؤُكُمْ عَلَى الْجَدِّ.