المحلي بالاثار (صفحة 3502)

أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ، وَفِيمَا قَالَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِمَّا لَا يُعْرَفُ أَحَدٌ قَالَ بِهِ قَبْلَهُ، وَقَطَعَهُ فِيمَا خَالَفَ فِيهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الْإِجْمَاعَ الْمُتَيَقَّنَ الْمَقْطُوعَ بِهِ، وَلَمْ يَأْتِ قَطُّ نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ وَلَا نَظَرٌ صَحِيحٌ بِتَرْجِيحِ مَا كَثُرَ الْقَائِلُونَ بِهِ عَلَى مَا قَلَّ الْقَائِلُونَ بِهِ.

فَهَذَا مِيرَاثُ الْجَدَّةِ.

وَأَمَّا: كَمْ جَدَّةً تَرِثُ؟ فَإِنَّ طَائِفَةً قَالَتْ: لَا تَرِثُ إلَّا جَدَّةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ أُمُّ الْأُمِّ.

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ نا الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ: أَنَّ رَجُلًا مَاتَ وَتَرَكَ جَدَّتَيْهِ: أُمَّ أُمِّهِ، وَأُمَّ أَبِيهِ، فَأَتَوْا أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ، فَأَعْطَى أُمَّ أُمِّهِ السُّدُسَ دُونَ أُمِّ الْأَبِ؟ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ - وَكَانَ بَدْرِيًّا - لَقَدْ وَرَّثْتَ الَّتِي لَوْ كَانَتْ هِيَ الْمَيِّتَةَ مَا وَرِثَ مِنْهَا شَيْئًا، وَتَرَكَتْ امْرَأَةً لَوْ كَانَتْ هِيَ الْمَيِّتَةَ وَرِثَ مَالَهَا كُلَّهُ، فَأَشْرَكَ بَيْنَهُمَا فِي السُّدُسِ.

وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ هُشَيْمٍ، وَابْنِ عُيَيْنَةَ، كِلَاهُمَا عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَدَخَلَ حَدِيثُ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ، وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ عُمَرَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، وَأَبِي الزِّنَادِ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَرَّثَ الْجَدَّةَ أُمَّ الْأُمِّ السُّدُسَ، فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ جَاءَتْهُ الْجَدَّةُ أُمُّ الْأَبِ، فَقَالَ لَهَا: مَا لَك فِي كِتَابِ اللَّهِ شَيْءٌ، وَسَوْفَ أَسْأَلُ لَك النَّاسَ؟ قَالَ: فَلَمْ يَجِدْ أَحَدًا يُخْبِرُهُ شَيْئًا؟ فَقَالَ غُلَامٌ مِنْ بَنِي حَارِثَةَ: لِمَ لَا تُوَرِّثُهَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَهِيَ لَوْ تَرَكَتْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا وَرِثَهَا، وَهَذِهِ لَوْ تَرَكَتْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا لَمْ يَرِثْهَا ابْنُ ابْنَتِهَا، فَوَرَّثَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَقَالَ: إنَّ اللَّهَ لَيَجْعَلُ فِي الْجَدَّاتِ خَيْرًا كَثِيرًا.

فَهَذَا أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ: جَعَلَا الْمِيرَاثَ لِلْجَدَّةِ الَّتِي لِلْأُمِّ دُونَ أُمِّ الْأَبِ.

فَإِنْ قِيلَ: قَدْ رَجَعَا عَنْ ذَلِكَ؟ قُلْنَا: قَدْ قَالَا بِهِ، وَلَا حُجَّةَ إلَّا فِي إجْمَاعٍ مُتَيَقَّنٍ، فَلَا إجْمَاعَ مُتَيَقَّنٌ مَعَكُمْ أَصْلًا - وَقَدْ قَالَ بِذَلِكَ عُمَرُ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ كَمَا تَرَوْنَ.

وَهَذَا عَلِيٌّ يُخْبِرُ بِأَنَّ عُمَرَ قَضَى مُدَّةَ حَيَاتِهِ بِمَنْعِ بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ، وَعَلِيٌّ مَعَهُ يُوَافِقُهُ، وَعُثْمَانُ أَيْضًا مُدَّةَ حَيَاتِهِ، فَلَمَّا وَلِي عَلِيٌّ خَالَفَ ذَلِكَ، وَلَمْ يَرَ مَا سَلَفَ مِمَّا ذَكَرْنَا إجْمَاعًا -

طور بواسطة نورين ميديا © 2015