قَالَ: كَاتَبَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَلَى عِشْرِينَ أَلْفًا، فَكُنْت فِي مِفْتَحِ تُسْتَرَ فَاشْتَرَيْت رَثَّةً فَرَبِحْت فِيهَا، فَأَتَيْت أَنَسًا بِجَمِيعِ مُكَاتَبَتِي، فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا إلَّا نُجُومًا، فَأَتَيْت عُمَرَ فَذَكَرْت ذَلِكَ لَهُ؟ فَقَالَ: أَرَادَ أَنَسٌ الْمِيرَاثَ، وَكَتَبَ إلَى أَنَسٍ: أَنْ اقْبَلْهَا، فَقَبِلَهَا. وَهَذَا أَحْسَنُ مَا رُوِيَ فِيهِ عَنْ عُمَرَ وَسَائِرُهَا مُنْقَطِعٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أَنَّ أَبَاهُ كَاتَبَ عَبْدًا لَهُ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ كِتَابَتِهِ أَتَاهُ الْعَبْدُ بِمَالِهِ كُلِّهِ، فَأَبَى الْحَارِثُ أَنْ يَأْخُذَهُ وَقَالَ: لِي شَرْطِي، فَرَفَعَ ذَلِكَ إلَى عُثْمَانَ، فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ: هَلُمَّ الْمَالَ فَاجْعَلْهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ فَتُعْطِيه مِنْهُ فِي كُلِّ حِلٍّ مَا يَحِلُّ، فَأَعْتَقَ الْعَبْدَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا عَجِيبٌ جِدًّا إذْ رَأَى عُمَرُ، وَعُثْمَانُ إجَابَةَ السَّيِّدِ إلَى كِتَابَةِ عَبْدِهِ إذَا طَلَبَهَا الْعَبْدُ، وَخَالَفَهُ أَنَسٌ، وَاحْتَجَّ عُمَرُ، وَعُثْمَانُ بِالْقُرْآنِ كَانَ قَوْلُ أَنَسٍ حُجَّةً، وَكَانَ قَوْلُ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، وَإِذَا وَافَقَ قَوْلُ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ رَأْيَ مَالِكٍ، خَالَفَهُمَا أَنَسٌ، وَالْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ، وَهُمَا صَاحِبَانِ، وَالْقُرْآنُ: صَارَ قَوْلُ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ حُجَّةً، وَلَمْ يَكُنْ قَوْلُ أَنَسٍ حُجَّةً " إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ - وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ".
فَإِنْ مَوَّهُوا بِتَعْظِيمِ أَمْرِ الْعِتْقِ؟ قُلْنَا: أَيْنَ كُنْتُمْ عَنْ هَذَا التَّعْظِيمِ؟ إذْ لَمْ تُوجِبُوا الْكِتَابَةَ فَرْضًا لِعِتْقِ الْعَبْدِ إذَا طَلَبَهَا؟ وَالْقُرْآنُ يُوجِبُ ذَلِكَ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَغَيْرُهُمَا. وَأَيْنَ كُنْتُمْ عَنْ هَذَا التَّعْظِيمِ إذْ رَدَدْتُمْ الْمُكَاتَبَ رَقِيقًا مِنْ أَجْلِ دِينَارٍ أَوْ دِرْهَمٍ بَقِيَ عَلَيْهِ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ؟ فَبَادَرْتُمْ وَأَبْطَلْتُمْ كُلَّ مَا أَعْطَى وَلَمْ تُؤَجِّلُوهُ إلَّا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَبَعْضُكُمْ أَيْضًا: أَمْرًا يَسِيرًا، وَأَنْتُمْ بِزَعْمِكُمْ أَصْحَابُ نَظَرٍ، فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ طَلَبِ الْعَبْدِ تَعْجِيلَ جَمِيعِ مَا عَلَيْهِ لِيَتَعَجَّلَ الْعِتْقَ وَالسَّيِّدُ يَأْبَى إلَّا شَرْطَهُ الْجَائِزَ بِالْقُرْآنِ، وَالسُّنَّةِ، وَالْإِجْمَاعِ: فَتُجْبِرُونَ السَّيِّدَ عَلَى مَا لَا يُرِيدُ، وَبَيْنَ أَنْ يُرِيدَ السَّيِّدُ تَعْجِيلَ الْكِتَابَةِ كُلِّهَا لِيَتَعَجَّلَ عِتْقُ الْعَبْدِ وَالْعَبْدُ قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ، إلَّا أَنَّهُ يَأْبَى إلَّا الْجَرْيَ عَلَى نُجُومِهِ فَلَا تُجْبِرُونَهُ عَلَى ذَلِكَ، فَهَلْ فِي التَّخَاذُلِ وَالتَّحَكُّمِ بِالْبَاطِلِ وَالْمُنَاقَضَةِ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا؟ .
1703 - مَسْأَلَةٌ: وَفَرْضٌ عَلَى السَّيِّدِ أَنْ يُعْطِيَ الْمُكَاتَبَ مَالًا مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ مَا