وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: وَالشَّافِعِيُّ بِقَوْلِنَا، إلَّا أَنَّهُمَا أَجَازَا عِتْقَهُ بِكُلِّ حَالٍ، بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا. أَنَّ مَنْ لَا شَيْءَ لَهُ فَاسْتَقْرَضَ مَالًا - فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ بِلَا خِلَافٍ، وَأَنْ يَتَزَوَّجَ مِنْهُ، وَأَنْ يَبْتَاعَ جَارِيَةً يَطَؤُهَا، فَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ قَدْ مَلَكَ مَا اسْتَقْرَضَ، وَأَنَّهُ مَالٌ مِنْ مَالِهِ، فَلَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ مِنْهُ بِمَا يَبْقَى لَهُ بَعْدَهُ غِنًى، وَالْعِتْقُ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْبِرِّ، وَقَدْ يَرْزُقُ اللَّهُ عِبَادَهُ إنْ يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ. وَهَذَا بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ بِالْعِتْقِ مِمَّنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا سَبِيلَ إلَى أَنْ يَرْزُقَ اللَّهُ تَعَالَى مَالًا فِي الدُّنْيَا لَمْ يَرْزُقْهُ إيَّاهُ فِي حَيَاتِهِ، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَقْرِضُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
1683 - مَسْأَلَةٌ: وَالْمُدَبَّرُ عَبْدٌ مُوصَى بِعِتْقِهِ، وَالْمُدَبَّرَةُ كَذَلِكَ، وَبَيْعُهُمَا حَلَالٌ، وَالْهِبَةُ لَهُمَا كَذَلِكَ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي " كِتَابِ الْبُيُوعِ " فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ وَلَا حُجَّةَ لِمَنْ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ إلَّا حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ قَدْ بَيَّنَّا عِلَّتَهُ هُنَالِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
1684 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ مَمْلُوكَةٍ حَمَلَتْ مِنْ سَيِّدِهَا فَأَسْقَطَتْ شَيْئًا يُدْرَى أَنَّهُ وَلَدٌ، أَوْ وَلَدَتْهُ: فَقَدْ حَرُمَ بَيْعُهَا وَهِبَتُهَا وَرَهْنُهَا وَالصَّدَقَةُ بِهَا وَقَرْضُهَا، وَلِسَيِّدِهَا وَطْؤُهَا وَاسْتِخْدَامُهَا مُدَّةَ حَيَاتِهِ، فَإِذَا مَاتَ فَهِيَ حُرَّةٌ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ، وَكُلُّ مَالِهَا فَلَهَا إذَا عَتَقَتْ، وَلِسَيِّدِهَا انْتِزَاعُهُ فِي حَيَاتِهِ، فَإِنْ وَلَدَتْ مِنْ غَيْرِ سَيِّدِهَا بِزِنًا، أَوْ إكْرَاهٍ، أَوْ نِكَاحٍ بِجَهْلٍ: فَوَلَدُهَا بِمَنْزِلَتِهَا إذَا أُعْتِقَتْ عَتَقُوا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا. فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعْدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيِّ قَالَ: خَطَبَ عَلِيٌّ النَّاسَ، فَقَالَ: شَاوَرَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ، فَرَأَيْت أَنَا وَعُمَرُ أَنْ أُعْتِقَهُنَّ - فَقَضَى بِهِ عُمَرُ حَيَاتَهُ، وَعُثْمَانُ حَيَاتَهُ، فَلَمَّا وُلِّيت رَأَيْت أَنْ أَرِقَّهُنَّ، قَالَ عَبِيدَةُ: فَرَأْيُ عُمَرُ، وَعَلِيٍّ فِي الْجَمَاعَةِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ رَأْيِ عَلِيٍّ وَحْدَهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إنْ كَانَ أَحَبَّ إلَى عَبِيدَةُ، فَلَمْ يَكُنْ أَحَبَّ إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَإِنَّ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ لَبَوْنًا بَائِنًا، فَأَيْنَ الْمُحْتَجُّونَ بِقَوْلِ الصَّاحِبِ الْمُشْتَهِرِ الْمُنْتَشِرِ وَأَنَّهُ إجْمَاعٌ، أَفَيَكُونُ اشْتِهَارًا أَعْظَمَ، وَانْتِشَارًا أَكْثَرَ مِنْ حُكْمِ عُمَرَ بَاقِي خِلَافَتِهِ، وَعُثْمَانَ جَمِيعَ خِلَافَتِهِ، فِي أَمْرٍ فَاشٍ عَامٍّ، ظَاهِرٍ مُطْبَقٍ، وَعَلِيٌّ مُوَافِقٌ لَهُمَا عَلَى ذَلِكَ