ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ لَمَا كَانَ فِيهَا إلَّا أَنَّهَا مُؤَدَّاةٌ، وَهَكَذَا نَقُولُ: إنَّ أَدَاءَهَا فَرْضٌ، وَالتَّضْمِينُ غَيْرُ الْأَدَاءِ، وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهَا مَضْمُونَةٌ أَصْلًا - فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِشَيْءٍ مِنْهَا.
وَذَكَرُوا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ» - وَهَذَا مُنْقَطِعٌ؛ لِأَنَّ قَتَادَةَ لَمْ يُدْرِكْ سَمُرَةَ.
وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ» الْحَسَنُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ سَمُرَةَ ثُمَّ لَوْ صَحَّ فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا الْأَدَاءُ، وَهَكَذَا نَقُولُ، وَالْأَدَاءُ غَيْرُ الضَّمَانِ فِي اللُّغَةِ وَالْحُكْمِ، وَيَلْزَمُهُمْ إذَا حَمَلُوا هَذَا اللَّفْظَ عَلَى الضَّمَانِ أَنْ يُضَمِّنُوا بِذَلِكَ الْمَرْهُونَ وَالْوَدَائِعَ؛ لِأَنَّهَا مِمَّا قَبَضَتْ الْيَدُ، وَكُلُّ هَذَا قَدْ قَالَ بِتَضْمِينِهِ طَوَائِفُ مِنْ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ فَظَهَرَ تَنَاقُضُهُمْ.
وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نا إبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُسْتَمِرِّ نا حِبَّانُ بْنُ هِلَالٍ نا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى نا قَتَادَةُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا أَتَتْكَ رُسُلِي فَأَعْطِهِمْ ثَلَاثِينَ دِرْعًا وَثَلَاثِينَ بَعِيرًا فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعَارِيَّةٌ مَضْمُونَةٌ أَمْ عَارِيَّةٌ مُؤَدَّاةٌ؟ قَالَ: بَلْ عَارِيَّةٌ مُؤَدَّاةٌ» فَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِمَّا رُوِيَ فِي الْعَارِيَّةِ خَبَرٌ يَصِحُّ غَيْرُهُ، وَأَمَّا مَا سِوَاهُ فَلَا يُسَاوِي الِاشْتِغَالَ بِهِ وَقَدْ فَرَّقَ فِيهِ بَيْنَ الضَّمَانِ، وَالْأَدَاءِ، وَأَوْجَبَ فِي الْعَارِيَّةِ الْأَدَاءَ فَقَطْ دُونَ الضَّمَانِ - فَبَطَلَ كُلُّ مَا تَعَلَّقُوا بِهِ مِنْ النُّصُوصِ.
وَقَالُوا: وَجَدْنَا كُلَّ مَا يَقْبِضُهُ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ بَعْضٍ مِنْ الْأَمْوَالِ يَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ -: أَحَدُهَا - قِسْمُ مَنْفَعَةٍ لِلدَّافِعِ دُونَ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ، كَالْوَدِيعَةِ، وَالْوَكَالَةِ - فَهَذَا غَيْرُ مَضْمُونٍ، فَوَاجِبٌ أَنْ يَكُونَ كُلُّ مَا فِي هَذَا الْبَابِ كَذَلِكَ وَثَانِيهَا - قِسْمٌ مَنْفَعَتُهُ لِلدَّافِعِ وَالْمَدْفُوعِ إلَيْهِ مَعًا، كَالْقِرَاضِ، وَقَدْ أَتَّفَقْنَا عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الرَّهْنُ وَكُلُّ مَا فِي هَذَا الْبَابِ كَذَلِكَ.
وَثَالِثُهَا - مَا مَنْفَعَتُهُ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ دُونَ الدَّافِعِ كَالْقَرْضِ، وَقَدْ صَحَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ مَضْمُونٌ فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ الْعَارِيَّةُ وَكُلُّ مَا فِي هَذَا الْبَابِ كَذَلِكَ.