المحلي بالاثار (صفحة 3340)

وَادَّعُوا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ بَلَغَنِي عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ " أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ كَانَتْ تَعْمُرُ بَنِي أَخِيهَا حَيَاتَهُمْ، فَإِذَا انْقَرَضَ أَحَدُهُمْ قَبَضَتْ مَسْكَنَهُ، فَوِرْثنَا نَحْنُ ذَلِكَ كُلَّهُ الْيَوْمَ عَنْهَا، مَا نَعْلَمُ لَهُمْ شَيْئًا غَيْرَ هَذَا أَصْلًا، وَكُلُّهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ -: أَمَّا خَبَرُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَبَاطِلٌ، وَهَذِهِ آفَةُ الْمُرْسَلِ، وَاَلَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِمِ، وَأَبَاهُ الْقَاسِمَ، وَجَدَّهُ مُحَمَّدًا، لَمْ يَرِثُوا عَائِشَةَ، وَلَا صَارَ إلَيْهِمْ بِالْمِيرَاثِ عَنْهَا قِيمَةُ خَرْدَلَةٍ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا قُتِلَ فِي حَيَاتِهَا قَبْلَ مَوْتِهَا بِنَحْوِ عِشْرِينَ سَنَةً، وَإِنَّمَا وَرِثَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ كَانَ ابْنَ شَقِيقِهَا، فَحَجَبَ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ، وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِي " بَابِ هِبَةِ الْمُشَاعِ " قَبْلَ هَذَا الْبَابِ بِأَوْرَاقٍ وَلَوْ صَحَّ ذَلِكَ عَنْهَا لَكَانَ قَدْ خَالَفَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ عُمَرَ، وَجَابِرٌ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَعَلِيُّ بْن أَبِي طَالِبٍ عَلَى مَا أَوْرَدْنَا آنِفًا. وَأَمَّا «الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ» فَخَبَرٌ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ إمَّا عَنْ كَثِيرِ بْنِ زَيْدٍ - وَهُوَ هَالِكٌ - وَإِمَّا مُرْسَلٌ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانُوا أَوَّلَ مُخَالِفِينَ لَهُ؛ لِأَنَّهُمْ يُبْطِلُونَ مِنْ شُرُوطِ النَّاسِ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفِ شَرْطٍ: كَمَنْ بَاعَ بِشَرْطِ أَنْ يُقِيلَهُ إلَى يَوْمَيْنِ.

وَكَمَنْ بَاعَ أَمَةً بِشَرْطِ أَنْ لَا يَبِيعَهَا.

وَكَمَنْ بَاعَ بِخِيَارٍ إلَى عِشْرِينَ سَنَةً.

وَكَمَنْ نَكَحَ عَلَى أَنْ تُنْفِقَ هِيَ عَلَيْهِ - وَغَيْرُ ذَلِكَ.

فَكَيْفَ وَهَذَا الشَّرْطُ - يَعْنِي رُجُوعَ الْعُمْرَى إلَى الْمُعَمِّرِ أَوْ إلَى وَرَثَتِهِ -: شَرْطٌ قَدْ جَاءَتْ السُّنَّةُ نَصًّا بِإِبْطَالِهِ، كَمَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - وَاحْتِجَاجُهُمْ بِالْآيَةِ هَاهُنَا أَبْعَدُ شَيْءٍ مِنْ التَّوْفِيقِ لِوُجُوهٍ -: أَوَّلُهَا - أَنَّهُمْ قَاسُوا حُكْمَ النَّاسِ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِمْ وَهَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقْتُلُ النَّاسَ وَلَا مَلَامَةَ عَلَيْهِ، وَيُجِيعُهُمْ، وَيُعَذِّبُهُمْ بِالْمَرَضِ، وَلَا مَلَامَةَ عَلَيْهِ، وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ أَحَدٍ قِيَاسُ الْمَخْلُوقِ عَلَى الْخَالِقِ.

وَثَانِيهَا - أَنَّهُمْ مَوَّهُوا وَقَلَبُوا لَنَا الْآيَةَ، لِأَنَّنَا لَمْ نُنَازِعْهُمْ فِيمَنْ أَعْمَرَ آخَرَ مَالًا لَهُ وَلَمْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015