وَقَالَ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: إنْ وَهَبَ دَارًا لِاثْنَيْنِ بَيْنَهُمَا بِنِصْفَيْنِ جَازَ ذَلِكَ، فَإِنْ وَهَبَ لِأَحَدِهِمَا الثُّلُثَ، وَلِلْآخَرِ الثُّلُثَيْنِ فَدَفَعَهَا إلَيْهِمَا مَعًا -: جَازَ ذَلِكَ، فَإِنْ دَفَعَ إلَى الْوَاحِدِ ثُمَّ إلَى الْآخَرِ -: لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ.
وَمَنَعَ سُفْيَانُ مِنْ هِبَةِ الْمُشَاعِ، إلَّا أَنَّهُ أَجَازَ هِبَةَ وَاحِدٍ دَارًا لِاثْنَيْنِ، وَهِبَةَ الِاثْنَيْنِ دَارًا لِوَاحِدٍ - وَمَنَعَ ابْنُ شُبْرُمَةَ مِنْ هِبَةِ الْمُشَاعِ، وَمِنْ هِبَةِ وَاحِدٍ دَارًا لِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا، وَأَجَازَ هِبَةَ اثْنَيْنِ دَارًا لِوَاحِدٍ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ شَغَبًا مَوَّهُوا بِهِ إلَّا إنْ قَالُوا: قَبْضُ الْمُشَاعَ لَا يُمْكِنُ. فَقُلْنَا لَهُمْ: كَذَبْتُمْ، بَلْ هُوَ مُمْكِنٌ، وَهَبْكَ أَنَّهُ غَيْرُ مُمْكِنٍ فَلِمَ أَجَزْتُمْ بَيْعَهُ، وَالْبَيْعُ عِنْدَكُمْ يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْقَبْضِ، وَلِمَ أَجَزْتُمْ إصْدَاقَهُ، وَالصَّدَاقُ وَاجِبٌ فِيهِ الْإِقْبَاضُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء: 4] : وَقَالَ تَعَالَى: {وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا} [البقرة: 229] وَلِمَ أَجَزْتُمْ الْوَصِيَّةَ بِهِ؟ وَلِمَ أَجَزْتُمْ إجَارَةَ الْمُشَاعِ مِنْ الشَّرِيكِ، وَمَنَعْتُمْ الرَّهْنَ فِيهِ مِنْ الشَّرِيكِ، وَمَنَعْتُمْ الْهِبَةَ مِنْ الشَّرِيكِ - وَأَقْرَبُ ذَلِكَ لِمَ أَجَزْتُمْ هِبَةَ الْمُشَاعِ فِيمَا لَا يَنْقَسِمُ وَالْعِلَّةُ وَاحِدَةٌ. فَهَلْ فِي التَّلَاعُبِ وَالسَّخَافَةِ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا؟ وَمَوَّهُوا أَيْضًا بِالرِّوَايَةِ الَّتِي ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ لِعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: إنِّي كُنْتُ نَحَلْتُك جَادَّ عِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ مَالِ الْغَابَةِ فَلَوْ كُنْتِ جَدَدْتِيهِ وَاحْتَزْتِيهِ لَكَانَ لَك، هَذَا دَلِيلٌ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ هِبَةِ الْمُشَاعِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا عَظِيمٌ جِدًّا، وَفَاحِشُ الْقُبْحِ لِوُجُوهٍ -: أَوَّلُهَا - أَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَثَانِيهَا - أَنَّهُ كَمْ قَوْلَةٌ لِأَبِي بَكْرٍ، وَعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَدْ خَالَفْتُمُوهُمَا فِيهَا كَقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ، وَغَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي الزَّكَاةِ إنْ لَمْ تَكُنْ بِنْتَ مَخَاضٍ فَابْنَ لَبُونٍ ذَكَرٍ، وَكَتَرْكِهِ التَّضْحِيَةَ وَهُوَ غَنِيٌّ، وَكَصِيَامِ عَائِشَةَ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ، وَقَوْلِهَا: لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتْهُ مِنْ اللَّيْلِ وَغَيْرُ ذَلِكَ كَثِيرٌ جِدًّا.
وَثَالِثُهَا - أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ نَفْسَهُ قَدْ أَوْرَدْنَاهُ بِخِلَافِ هَذِهِ الْقِصَّةِ.
وَرَابِعُهَا - أَنَّ اللَّفْظَ الَّذِي احْتَجُّوا بِهِ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِمْ جِهَارًا بَلْ فِيهِ إجَازَةُ هِبَةِ جُزْءٍ