حُجَّةَ حَقٍّ لَا يَجُوزُ خِلَافُهَا فَقَدْ خَالَفُوا حُجَّةَ الْحَقِّ الَّتِي لَا يَجُوزُ خِلَافُهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ حُجَّةً وَلَا إجْمَاعًا فَالْإِيهَامُ بِإِيرَادِهَا لَا يَجُوزُ.
وَقَدْ رُوِّينَا خِلَافَ ذَلِكَ عَنْ الصَّحَابَةِ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ فِي قَضَاءِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ بِالْيَمَنِ بَيْنَ أَهْلِهَا قَضَى: أَنَّهُ أَيُّمَا رَجُلٍ وَهَبَ أَرْضًا عَلَى أَنَّكَ تَسْمَعُ وَتُطِيعُ؟ فَسَمِعَ لَهُ وَأَطَاعَ، فَهِيَ لِلْمَوْهُوبَةِ لَهُ، وَأَيُّمَا رَجُلٍ وَهَبَ كَذَا وَكَذَا إلَى أَجَلٍ ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ، فَهُوَ لِلْوَاهِبِ إذَا جَاءَ الْأَجَلُ، وَأَيُّمَا رَجُلٍ وَهَبَ أَرْضًا وَلَمْ يَشْتَرِطْ فَهِيَ لِلْمَوْهُوبَةِ لَهُ.
وَبِهِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ: كَانَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ يَقُولُ: لَا يُعَادُ فِي الْهِبَةِ.
وَبِهِ إلَى مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَا يَعُودُ الرَّجُلُ فِي الْهِبَةِ.
فَهَذَا مُعَاذٌ، وَالْحَسَنُ، وَطَاوُسٌ يَقُولُونَ بِقَوْلِنَا سَوَاءً سَوَاءً.
وَقَالُوا: إنَّمَا خَصَصْنَا ذَوِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمَةِ لِأَنَّ الْهِبَةَ لَهُمْ مَجْرَى الصَّدَقَةِ وَبَيْنَ الزَّوْجَيْنِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ الْمُسْلِمَ إذَا أَنْفَقَ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةً يَحْتَسِبُهَا فَهِيَ لَهُ صَدَقَةٌ» قَالُوا: وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ فِي الصَّدَقَةِ.
قَالَ عَلِيٌّ: فَقُلْنَا لَهُمْ: وَالْهِبَةُ لِغَيْرِ ذِي الرَّحِمِ وَلِغَيْرِ الزَّوْجَةِ أَيْضًا صَدَقَةٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} [البقرة: 237] .
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ عَنْ رِبْعِيٍّ بْنِ حِرَاشٍ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ» فَهَذَا فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ.
فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ هِبَةٍ لِمُسْلِمٍ فَهِيَ صَدَقَةٌ، فَإِذْ قَدْ صَحَّ إجْمَاعٌ عِنْدَهُمْ عَلَى أَنْ لَا رُجُوعَ فِي الصَّدَقَةِ، فَهُمْ أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ، فَهَلَّا قَاسُوا الْهِبَةَ عَلَى الصَّدَقَةِ فَهِيَ أَشْبَهُ شَيْءٍ بِهَا؟ وَلَكِنَّهُمْ لَا يُحْسِنُونَ قِيَاسًا وَلَا يَتَّبِعُونَ نَصًّا.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِذْ قَدْ بَطَلَ كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ فَالْحُجَّةُ لِقَوْلِنَا هُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: