الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ أَوْضَحُ، لِأَنَّهُ جَاءَ بِلَفْظِ النَّهْيِ، وَلَا يَجُوزُ الْقِيَاسُ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهِ إذَا خَالَفَ النَّصَّ.
وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَأَجَازَ السَّلَمَ حَالًّا قِيَاسًا عَلَى جَوَازِهِ إلَى أَجَلٍ، وَأَجَازَ السَّلَمَ فِي كُلِّ شَيْءٍ قِيَاسًا عَلَى الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ، فَانْتَظَمَ خِلَافُ الْخَبَرِ فِي كُلِّ مَا جَاءَ فِيهِ، وَكَانَ أَطْرَدَهُمْ لِلْقِيَاسِ وَأَفْحَشَهُمْ خَطَأً.
فَإِنْ قِيلَ: إنَّ السَّلَمَ بَيْعٌ اُسْتُثْنِيَ مِنْ جُمْلَةِ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَك؟ قُلْنَا: هَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ دَعْوَى بِلَا دَلِيلٍ وَلَيْسَ كُلُّ مَا عُوِّضَ فِيهِ بِآخَرَ بَيْعًا، فَهَذَا الْقَرْضُ مَالٌ بِمَالٍ، وَلَيْسَ بَيْعًا بِلَا خِلَافٍ.
وَلَمْ يُجِزْ أَبُو حَنِيفَةَ السَّلَمَ فِي الْحَيَوَانِ، وَأَجَازَهُ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ وَمَا نَعْلَمُ لِتَخْصِيصِهِمْ الْحَيَوَانَ بِالْمَنْعِ مِنْ - السَّلَمِ فِيهِ دُونَ سَائِرِ مَا أَبَاحُوا السَّلَمَ فِيهِ مِنْ غَيْرِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ: حُجَّةً أَصْلًا، إلَّا أَنَّ بَعْضَهُمْ مَوَّهَ بِأَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: مِنْ الرِّبَا مَا لَا يَكَادُ يَخْفَى كَالسَّلَمِ فِي سِنٍّ.
قَالُوا: وَعُمَرُ حُجَّةٌ فِي اللُّغَةِ، وَلَا يَقُولُ مِثْلَ هَذَا إلَّا بِتَوْقِيفٍ.
فَقُلْنَا لَهُ: هَذَا لَا يُسْنَدُ عَنْ عُمَرَ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ حُجَّةً عَلَيْكُمْ؛ لِأَنَّ فِي هَذَا الْخَبَرِ نَفْسِهِ أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ، وَهِيَ مُغَضَّفَةٌ لَمَّا تَطِبْ بَعْدُ، وَأَنْتُمْ تُجِيزُونَهُ عَلَى الْقَطْعِ فَمَرَّةً عُمَرُ حُجَّةٌ، وَمَرَّةً لَيْسَ هُوَ بِحُجَّةٍ.
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: مِنْ الرِّبَا أَنْ تُبَاعَ الثَّمَرَةُ وَهِيَ مُغَضَّفَةٌ لَمَّا تَطِبْ.
وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ ابْنِ بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: سَأَلْت ابْنَ عُمَرَ عَنْ الرَّهْنِ فِي السَّلَفِ؟ فَقَالَ: ذَلِكَ الرِّبَا الْمَضْمُونُ، وَهُمْ يُجِيزُونَ الرَّهْنَ فِي السَّلَفِ، وَلَمْ يَكُنْ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ فِي ذَلِكَ إنَّهُ الرِّبَا بِأَصَحِّ طَرِيقٍ حُجَّةً فِي أَنَّهُ رِبًا مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ.
وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ: فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ «عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ كَانَ يَبْتَاعُ الْبَعِيرَ بِالْقَلُوصَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ إلَى إبِلِ الصَّدَقَةِ بِعِلْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِأَمْرِهِ»