وَلَيْتَ شِعْرِي أَيْنَ كَانَ الْحَنَفِيُّونَ عَنْ هَذَا النَّظَرِ حَيْثُ أَجَازُوا الزَّكَاةَ قَبْلَ الْحَوْلِ، نَعَمْ، وَقَبْلَ دُخُولِهِ، وَالْمَالِكِيُّونَ كَذَلِكَ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ بِشَهْرَيْنِ، وَالشَّافِعِيُّونَ كَذَلِكَ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ؟ وَأَيْنَ كَانَ الْمَالِكِيُّونَ عَنْ هَذَا النَّظَرِ حَيْثُ أَجَازُوا إذْنَ الْوَارِثِ لِلْمُوصِي فِي أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ وَالْمَالُ لَمْ يَجِبْ لَهُمْ بَعْدُ، وَلَا لَهُمْ فِيهِ حَقٌّ وَلَعَلَّهُ هُوَ يَرِثُهُمْ أَوْ لَعَلَّهُ سَيَحْدُثُ لَهُ وَلَدٌ يَحْجُبُهُمْ؟ وَأَيْنَ كَانُوا عَنْ هَذَا النَّظَرِ فِي إجَازَتِهِمْ الطَّلَاقَ قَبْلَ النِّكَاحِ، وَالْعِتْقَ قَبْلَ الْمِلْكِ، فَأُعْجِبُوا لِهَذِهِ التَّخَالِيطِ وَبِهِ يَقُولُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ فِي الرَّجُلَيْنِ بَيْنَهُمَا دَارٌ أَوْ أَرْضٌ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ: أُرِيدُ أَنْ أَبِيعَ وَلَك الشُّفْعَةُ فَاشْتَرِ مِنِّي، فَقَالَ لَهُ الْآخَرُ: لَا حَاجَةَ لِي بِهِ، قَدْ أَذِنْت لَك أَنْ تَبِيعَ، فَبَاعَ، ثُمَّ يَأْتِي طَالِبُ الشُّفْعَةِ فَيَقُولُ قَدْ قَامَ الثَّمَنُ وَأَنَا أَحَقُّ، قَالَ الْحَكَمُ: لَا شَيْءَ لَهُ إذَا أَذِنَ.
قَالَ سُفْيَانُ: وَبِهِ نَأْخُذُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدٍ، وَإِسْحَاقَ وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ.
وَأَحَدُ قَوْلَيْ أَحْمَدَ: وَطَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: قَدْ جَاءَ هَذَا الْخَبَرُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ وَفِيهِ: لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ؟ قُلْنَا: لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ أَبُو الزُّبَيْرِ سَمَاعًا مِنْ جَابِرٍ، وَهُوَ قَدْ اعْتَرَفَ عَلَى نَفْسِهِ بِأَنَّ مَا لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ سَمَاعًا فَإِنَّهُ حَدَّثَهُ بِهِ مَنْ لَمْ يُسَمِّهِ عَنْ جَابِرٍ
ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ آخِرُ الْخَبَرِ حَاكِمًا عَلَى أَوَّلِهِ، وَلَا يَحِلُّ تَرْكُ شَيْءٍ، صَحَّ مِنْ حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَهَذَا خَبَرٌ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ أَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ شَرِكَةٍ لَمْ تُقْسَمْ: رَبْعَةٍ، أَوْ حَائِطٍ، لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ حَتَّى يُؤْذِنَ شَرِيكَهُ، فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ فَإِذَا بَاعَ وَلَمْ يُؤْذِنْهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ»