فَهَذَانِ: عَطَاءٌ، وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ بِأَصَحِّ إسْنَادٍ عَنْهُمَا.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَلَا تَخْلُو الشُّفْعَةُ مِنْ أَنْ تَكُونَ مِنْ طَرِيقِ النَّصِّ كَمَا نَقُولُ نَحْنُ أَوْ مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ كَمَا يَقُولُ الْمُخَالِفُونَ.
فَإِنْ كَانَتْ مِنْ طَرِيقِ النَّصِّ فَهَذِهِ النُّصُوصُ الَّتِي أَوْرَدْنَا لَا يَحِلُّ الْخُرُوجُ عَنْهَا وَإِنْ كَانَتْ مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ كَمَا يَزْعُمُونَ أَنَّهَا إنَّمَا جُعِلَتْ لِدَفْعِ ضَرَرٍ عَنْ الشَّرِيكِ فَالْعِلَّةُ بِذَلِكَ مَوْجُودَةٌ فِي غَيْرِ الْعَقَارِ كَمَا هِيَ مَوْجُودَةٌ فِي الْعَقَارِ، بَلْ أَكْثَرُ، وَفِيمَا لَا يَنْقَسِمُ، كَوُجُودِهَا فِيمَا يَنْقَسِمُ، بَلْ هِيَ فِيمَا لَا يَنْقَسِمُ أَشَدُّ ضَرَرًا.
فَأَمَّا مَنْ مَنَعَ بَيْعَ الْمُشَاعِ فَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً أَصْلًا، بَلْ هُوَ خِلَافُ الْقُرْآنِ، وَالسُّنَّةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] .
وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: 119] .
فَهَذَا بَيْعٌ لَمْ يُفَصَّلْ لَنَا تَحْرِيمُهُ فَهُوَ حَلَالٌ.
وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ الْحَنَفِيِّينَ الْمُحَرِّمِينَ رَهْنَ الْجُزْءِ مِنْ الْمُشَاعِ، وَهِبَةَ الْجُزْءِ مِنْ الْمُشَاعِ، وَالصَّدَقَةَ بِالْجُزْءِ مِنْ الْمُشَاعِ، وَالْإِجَارَةَ لِلْجُزْءِ الْمُشَاعِ: أَنْ يَمْنَعُوا مِنْ بَيْعِ الْجُزْءِ مِنْ الْمُشَاعِ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي كُلِّ ذَلِكَ وَاحِدَةٌ، وَالْقَبْضُ وَاجِبٌ فِي الْبَيْعِ كَمَا هُوَ فِي الْهِبَةِ، وَالرَّهْنِ، وَالصَّدَقَةِ وَالْإِجَارَةِ وَلَكِنَّ التَّخَاذُلَ فِي أَقْوَالِهِمْ فِي الدِّينِ أَخَفُّ شَيْءٍ عَلَيْهِمْ.
فَإِنْ قَالُوا: اتَّبَعْنَا فِي إجَازَةِ بَيْعِ الْمُشَاعِ الْآثَارَ الْمَذْكُورَةَ؟ قُلْنَا: مَا فَعَلْتُمْ، بَلْ خَالَفْتُمُوهَا كَمَا نُبَيِّنُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَقْرَبُ ذَلِكَ مُخَالَفَتُكُمْ إيَّاهَا فِي سُقُوطِ حَقِّ الشَّرِيكِ إذَا عَرَضَ عَلَيْهِ الْأَخْذَ قَبْلَ الْبَيْعِ فَلَمْ يَأْخُذْ، فَقُلْتُمْ: بَلْ حَقُّهُ بَاقٍ وَلَا يَسْقُطُ.
وَأَيْضًا فَقَدْ جَاءَ نَصٌّ بِهِبَةِ الْمُشَاعِ إذْ «وَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأَشْعَرِيِّينَ ثَلَاثَ ذَوْدٍ مِنْ الْإِبِلِ بَيْنَهُمْ» فَلَمْ تُجِيزُوهُ.
وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَقُلْ بِالشُّفْعَةِ فَإِنَّ حُجَّتَهُ أَنْ يَقُولَ: خَبَرُ الشُّفْعَةِ مُخَالِفٌ لِلْأُصُولِ، وَمَنْ مَلَكَ شَيْئًا بِالشِّرَاءِ فَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ أَخْذُهُ وَهَذَا خِلَافٌ لِمَا ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ الْحَنَفِيِّينَ الْمُخَالِفِينَ لِلثَّابِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ حُكْمِ الْمُصَرَّاةِ،