وَإِنَّمَا يُمَوِّهُونَ بِالْخَبَرِ يَكُونُ فِيهِ لَفْظٌ كَبَعْضِ أَلْفَاظِ قَوْلِهِمْ، فَيَظُنُّ مَنْ لَا يُمْعِنُ النَّظَرَ أَنَّ ذَلِكَ الْخَبَرَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِمْ، وَلَيْسَ هُوَ كَذَلِكَ، بَلْ هُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِمْ فِي الْأَكْثَرِ، أَوْ لَا مُوَافِقٌ وَلَا مُخَالِفٌ كَذَلِكَ أَيْضًا.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَدْ رَوَى ابْنُ جُرَيْجٍ أَنَّهُ سَأَلَ الزُّهْرِيَّ عَنْ عُهْدَةِ الثَّلَاثِ وَالسَّنَةِ؟ فَقَالَ: مَا عَلِمْت فِيهِ أَمْرًا سَالِفًا.
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَسَأَلْت عَطَاءً عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: لَمْ يَكُنْ فِيمَا مَضَى عُهْدَةٌ فِي الْأَرْضِ، قُلْت: فَمَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ؟ قَالَ: لَا شَيْءَ.
قَالَ عَلِيٌّ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] فَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ تَكُونَ جَارِيَةٌ مِلْكُهَا لِزَيْدٍ وَفَرْجُهَا لَهُ حَلَالٌ وَيَكُونَ ضَمَانُهَا عَلَى خَالِدٍ، حَاشَ لِلَّهِ مِنْ هَذَا.
وَقَدْ صَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: مَا أَدْرَكْت الصَّفْقَةَ حَيًّا مَجْمُوعًا فَهُوَ مِنْ الْمُبْتَاعِ - وَلَا يُعْلَمُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.
رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ - وَهَذَا يُبْطِلُ عُهْدَةَ الثَّلَاثِ، وَالسَّنَةِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: ثُمَّ نَقُولُ لَهُمْ: أَخْبِرُونَا عَنْ الْحُكْمِ بِعُهْدَةِ الثَّلَاثِ، وَالسَّنَةِ: أَسُنَّةٌ هُوَ وَحَقٌّ أَمْ لَيْسَ سُنَّةً وَلَا حَقًّا، وَلَا بُدَّ مِنْ أَحَدِهِمَا؟ فَإِنْ قَالُوا: هُوَ سُنَّةٌ وَحَقٌّ؟ قُلْنَا: فَمِنْ أَيْنَ اسْتَحْلَلْتُمْ أَنْ لَا تَحْكُمُوا بِهَا فِي الْبِلَادِ الَّتِي اصْطَلَحَ أَهْلُهَا عَلَى تَرْكِ الْحُكْمِ بِهَا فِيهَا؟ وَمَتَى رَأَيْتُمْ سُنَّةً يُفْسَحُ لِلنَّاسِ فِي تَرْكِهَا وَمُخَالَفَتِهَا؟ حَاشَ لِلَّهِ مِنْ هَذَا.
وَإِنْ قَالُوا: لَيْسَتْ سُنَّةً وَلَا حَقًّا؟ قُلْنَا: بِأَيِّ وَجْهٍ اسْتَحْلَلْتُمْ أَنْ تَأْخُذُوا بِهَا أَمْوَالَ النَّاسِ الْمُحَرَّمَةِ فَتُعْطُوهَا غَيْرَهُمْ بِالْكُرْهِ مِنْهُمْ؟ وَلَعَلَّ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ فَقِيرٌ هَالِكٌ، وَالْمَحْكُومَ لَهُ غَنِيٌّ أَشِرٌ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» فَفَسَخْتُمْ الْبُيُوعَ الصَّحِيحَةَ بِمَا لَيْسَ سُنَّةً وَلَا حَقًّا، إذْ أَبَحْتُمْ تَرْكَ الْحُكْمِ بِالسُّنَّةِ وَالْحَقِّ، وَلَا مُخَلِّصَ لَكُمْ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَهَذَا كَمَا تَرَى.