وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَسْعُودٍ كَانَ لَهُ - إذْ مَاتَ أَبُوهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سِتُّ سِنِينَ فَقَطْ، لَمْ يَحْفَظْ مِنْهُ كَلِمَةً، وَالرَّاوِي عَنْهُ أَيْضًا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى - وَهُوَ سَيِّئُ الْحِفْظِ - وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَشْعَثِ - ظَالِمٌ مِنْ ظَلَمَةِ الْحَجَّاجِ - لَا حُجَّةَ فِي رِوَايَتِهِ - وَأَيْضًا فَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ أَبُو عُمَيْسٍ شَيْئًا لِتَأَخُّرِ سَنِّهِ عَنْ لِقَائِهِ - وَأَيْضًا فَهُوَ خَطَأٌ، وَإِنَّمَا هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَشْعَثِ - وَهُوَ مَجْهُولُ ابْنُ مَجْهُولٍ - وَأَيْضًا مُحَمَّدُ بْنُ الْأَشْعَثِ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ ابْنِ مَسْعُودٍ -: فَبَطَلَ التَّعَلُّقُ بِهِ جُمْلَةً.
وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَإِنَّهُ يُحْتَجُّ لَهُ بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، أَخْبَرَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْنِ نا حَجَّاجٌ - هُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ - قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي إسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُبَيْدٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ يَقُولُ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمُتَبَايِعَيْنِ سِلْعَةً يَقُولُ أَحَدُهُمَا: أَخَذْتُهَا بِكَذَا وَكَذَا، وَقَالَ الْآخَرُ: بِعْتُهَا بِكَذَا وَكَذَا، بِأَنْ يُسْتَحْلَفَ الْبَائِعُ، ثُمَّ يَخْتَارَ الْمُبْتَاعُ، فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ» .
وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ ابْنٍ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا لَا شَيْءَ - لِأَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ سُئِلَ أَتَذْكُرُ مِنْ أَبِيك شَيْئًا؟ قَالَ: لَا - وَلَمْ يَكُنْ لِعَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ الْوَلَدِ إلَّا أَبُو عُبَيْدَةَ - وَهُوَ أَكْبَرُهُمْ - وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ تَرَكَهُ ابْنَ سِتِّ سِنِينَ، وَعُتْبَةُ - وَكَانَ أَصْغَرَهُمْ - وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُبَيْدٍ الْمَذْكُورُ مَجْهُولٌ -: فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَمَّا سَائِرُ الْأَقْوَالِ فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ أَصْلًا، لَا سِيَّمَا مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ السِّلْعَةِ الْقَائِمَةِ وَالْمُسْتَهْلِكَةِ، وَمَنْ حَلَّفَ الْمُشْتَرِيَ -: فَإِنَّهُ لَا يُوجَدُ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْآثَارِ أَصْلًا، إلَّا أَنَّهُمْ أَطْلَقُوا إطْلَاقًا سَامَحُوا فِيهِ قِلَّةَ الْوَرَعِ - يَعْنِي الْحَنَفِيِّينَ وَالْمَالِكِيِّينَ - فَلَا يَزَالُونَ يَقُولُونَ فِي كُتُبِهِمْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ وَيَتَرَادَّانِ» . وَهَذَا لَا يُوجَدُ أَبَدًا لَا فِي مُرْسَلٍ وَلَا فِي مُسْنَدٍ، لَا فِي قَوِيٍّ وَلَا فِي ضَعِيفٍ، إلَّا أَنْ يُوضَعَ لِلْوَقْتِ.