وَالْبُرْهَانُ عَلَى فَسَادِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ هَذَا هُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] . وقَوْله تَعَالَى: {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] .
فَبَيْعُ الْغَائِبِ بَيْعٌ دَاخِلٌ فِيمَا أَحَلَّهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَفِي التِّجَارَةِ الَّتِي يَتَرَاضَى بِهَا الْمُتَبَايِعَانِ، فَكُلُّ ذَلِكَ حَلَالٌ إلَّا بَيْعًا حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْقُرْآنِ، وَالسُّنَّةِ الثَّابِتَةِ.
وَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُتَيَقَّنِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى يُحَرِّمُ عَلَيْنَا بَيْعًا مِنْ الْبُيُوعِ فَيُجْمِلُ لَنَا إبَاحَةَ الْبَيْعِ جُمْلَةً وَلَا يُبَيِّنُهُ لَنَا عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَأْمُورِ بِالْبَيَانِ، هَذَا أَمْرٌ قَدَّمْنَاهُ - وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] . وَلَيْسَ فِي وُسْعِنَا أَنْ نَعْرِفَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْنَا، وَمَا أَحَلَّهُ لَنَا، وَمَا أَوْجَبَهُ عَلَيْنَا، إلَّا بِوُرُودِ النَّصِّ بِذَلِكَ، وَمَا نَعْلَمُ لِلشَّافِعِيِّ فِي الْمَنْعِ مِنْ بَيْعِ الْغَائِبَاتِ الْمَوْصُوفَاتِ سَلَفًا.
فَإِنْ قِيلَ: فَأَيْنَ قَوْلُ الْحَكَمِ، وَحَمَّادٍ، الَّذِي رَوَيْتُمُوهُ آنِفًا؟ قُلْنَا: إنَّهُمَا لَمْ يَمْنَعَا مِنْ بَيْعِ الْغَائِبِ، وَإِنَّمَا مَنَعَا مِنْ بَيْعِ مَا لَمْ يَرَهُ الْمُشْتَرِي يَوْمَ الشِّرَاءِ - وَقَدْ يَرَاهُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ وَيَغِيبُ بَعْدَ ذَلِكَ - فَلَمْ يَشْتَرِطَا حُضُورَهُ فِي حِينِ عَقْدِ الْبَيْعِ، وَلَا يَحِلُّ أَنْ يَقُولَ أَحَدٌ مَا لَمْ يَقُلْ بِالظَّنِّ الْكَاذِبِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
قَالَ عَلِيٌّ: فَسَقَطَتْ هَذِهِ الْأَقْوَالُ كُلُّهَا، وَبَقِيَ قَوْلُ مَنْ أَوْجَبَ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ جُمْلَةً عَلَى مَا رُوِّينَا عَنْ إبْرَاهِيمَ، وَالْحَسَنِ، وَالشَّعْبِيِّ، وَمَكْحُولٍ، وَأَحَدُ قَوْلِيِّ الشَّافِعِيِّ، فَوَجَدْنَاهُمْ يَذْكُرُونَ أَثَرًا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ اشْتَرَى بَيْعًا فَهُوَ بِالْخِيَارِ حَتَّى يَنْظُرَ إلَيْهِ» .
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا مُرْسَلٌ وَلَا حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ: أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ إذَا وَجَدَهُ كَمَا وُصِفَ لَهُ، وَظَاهِرُهُ قَطْعُ الْخِيَارِ بِالنَّظَرِ، فَهُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَة جُمْلَةً - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ -.