المحلي بالاثار (صفحة 2829)

الْعِدْلَ مِنْ الْبُرِّ فَنَظَرَ بَعْضُ التُّجَّارِ إلَى بَعْضِهِ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَرَ عُوَارًا فِيمَا لَمْ يَنْظُرْ إلَيْهِ.

وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ، وَحَمَّادٍ فِيمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا قَدْ رَآهُ بِالْأَمْسِ وَلَمْ يَرَهُ يَوْمَ اشْتَرَاهُ، قَالَا جَمِيعًا: لَا يَجُوزُ حَتَّى يَرَاهُ يَوْمَ اشْتَرَاهُ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا كُلُّهُ مَا نَعْلَمُهُ عَنْ الْمُتَقَدِّمِينَ - فَأَمَّا أَقْوَالُ أَبِي حَنِيفَةَ الَّتِي ذَكَرْنَا فَأَقْوَالٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ لَا تُؤْثَرُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ قَبْلَهُ - نَعْنِي الْفَرْقَ بَيْنَ مَا يُسْقِطُ الْخِيَارَ مِمَّا يَرَى مِنْ الرَّقِيقِ، وَمِمَّا يَرَى مِنْ الدَّوَابِّ، وَمِمَّا يَرَى مِنْ الثِّيَابِ الزُّطِّيَّةِ فِي الْوِعَاءِ، وَمَا يَرَى مِنْ الثِّيَابِ الَّتِي لَيْسَتْ فِي عِدْلٍ، وَمَا يَرَى مِنْ السَّمْنِ، وَالزَّيْتِ، وَالْحِنْطَةِ، وَالدُّورِ، وَكُلُّ ذَلِكَ وَسَاوِسُ لَا حَظَّ لَهَا فِي شَيْءٍ مِنْ الْعَقْلِ، وَلَا لَهَا مَجَازٌ عَلَى الْقُرْآنِ، وَلَا السُّنَنِ، وَلَا الرِّوَايَاتِ الْفَاسِدَةِ، وَلَا قَوْلِ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ، وَلَا مِنْ قِيَاسٍ - لَا جَلِيٍّ وَلَا خَفِيٍّ - وَلَا مِنْ رَأْيٍ لَهُ حَظٌّ مِنْ السَّدَادِ، وَمَا كَانَ هَكَذَا فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ الْقَوْلُ بِهِ.

وَأَمَّا قَوْلَا مَالِكٍ جَمِيعًا فَكَذَلِكَ أَيْضًا سَوَاءً سَوَاءً، وَلَا نَعْلَمُهُمَا عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ، وَمَا لَهُمْ شُبْهَةٌ أَصْلًا، إلَّا أَنَّ بَعْضَهُمْ ادَّعَى الْعَمَلَ فِي ذَلِكَ، وَهَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُمَا عَنْهُ قَوْلَانِ كَمَا ذَكَرْنَا كِلَاهُمَا مُخَالِفٌ لِصَاحِبِهِ - فَإِنْ كَانَ الْعَمَلُ عَلَى أَحَدِهِمَا فَقَدْ خَالَفَ الْعَمَلَ فِي قَوْلِهِ الْآخَرِ، وَخِلَافُ الْمَرْءِ لِمَا يَرَاهُ حُجَّةً قَاطِعَةً فِي الدِّينِ عَظِيمٌ جِدًّا، وَلَيْسَ فِي الْمُمْكِنِ أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ عَلَى كِلَيْهِمَا.

وَأَيْضًا: فَإِنَّ تَحْدِيدَهُ جَوَازَ النَّقْدِ - إنْ كَانَ الْمَبِيعُ قَرِيبًا - وَمَنْعَهُ مِنْ النَّقْدِ إنْ كَانَ الْمَبِيعُ بَعِيدًا - وَهُوَ لَمْ يَحُدَّ مِقْدَارَ الْبُعْدِ الَّذِي يُحَرَّمُ فِيهِ النَّقْدُ مِنْ الْقُرْبِ الَّذِي يَجُوزُ فِيهِ النَّقْدُ عَجَبٌ جِدًّا؟ وَأَيُّ عَجَبٍ أَعْجَبُ مِمَّنْ يُحَرِّمُ وَيُحَلِّلُ ثُمَّ لَا يُبَيِّنُ لِمَنْ يَتْبَعُهُ الْعَمَلَ الْمُحَرَّمَ لِيَجْتَنِبَهُ مِنْ الْمُحَلَّلِ لِيَأْتِيَهُ.

وَاحْتَجَّ بَعْضُ مُقَلِّدِيهِ فِي الْمَنْعِ مِنْ النَّقْدِ فِي ذَلِكَ - وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ - بِأَنْ قَالَ: إنْ نَقَدَ فِي ذَلِكَ ثُمَّ وَجَدَهُ عَلَى خِلَافِ مَا وُصِفَ لَهُ فَرَدَّ الْبَيْعَ كَانَ الْبَائِعُ قَدْ انْتَفَعَ بِالثَّمَنِ مُدَّةً فَصَارَ ذَلِكَ سَلَفًا جَرَّ مَنْفَعَةً؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا الِاحْتِجَاجُ أَفْسَدُ مِنْ الْقَوْلِ الَّذِي احْتَجَّ لَهُ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015