المحلي بالاثار (صفحة 2809)

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَالُوا: الْعَبْدُ لَا يَرِثُ وَلَا يُوَرَّثُ، فَصَحَّ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ؟ وَقَالُوا: الْعَبْدُ سِلْعَةٌ مِنْ السِّلَعِ، مَا نَعْلَمُ لَهُمْ شَيْئًا غَيْرَ هَذَا أَصْلًا - كُلُّهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ -: أَمَّا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا عَبْدًا مَمْلُوكًا لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} [النحل: 75] فَلَا حُجَّةُ لَهُمْ فِيهِ لِوُجُوهٍ -: أَوَّلُهَا - أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ اللَّهُ تَعَالَى: إنَّ هَذِهِ صِفَةُ كُلِّ عَبْدٍ مَمْلُوكٍ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ مِنْ الْمَمَالِيكِ مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ} [النحل: 76] فَهَلْ يَجِبُ مِنْ هَذَا أَنْ تَكُونَ، هَذِهِ صِفَةَ كُلِّ أَبْكَمَ، أَوْ أَنْ يَكُونَ الْأَبْكَمُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا؟ هَذَا مَا لَا يَقُولُونَهُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ وُرُودِ الْآيَتَيْنِ.

وَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ فِي الْأَحْرَارِ، وَفِي الْعَبِيدِ مَنْ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا الْعِدْل؛ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ، وَلَيْسَ كُلُّهُمْ كَذَلِكَ؟ وَالثَّانِي - هُوَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ لَيْسَ فِيهَا نَصٌّ، وَلَا دَلِيلَ، وَلَا إشَارَةَ عَلَى ذِكْرِ مِلْكٍ، وَلَا مَالٍ، وَإِنَّمَا فِيهَا: أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ، فَإِنَّمَا فِيهَا نَفْيُ الْقُدْرَةِ وَالْقُوَّةِ فَقَطْ، إمَّا بِضَعْفٍ وَإِمَّا بِمَرَضٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ.

وَالثَّالِثُ - أَنَّهُمْ إذَا أَسْقَطُوا مِلْكَهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ فَأَحْرَى بِهِمْ أَنْ يُسْقِطُوا عَنْهُ بِهَا الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ؛ لِأَنَّهُمَا شَيْئَانِ - وَفِيهَا أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ فَوَضَحَ فَسَادُ تَعَلُّقِهِمْ بِهَا جُمْلَةً.

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ الْعَبْدَ لَا يَرِثُ وَلَا يُوَرَّثُ، فَنَعَمْ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ وَرَدَتْ بِذَلِكَ، وَلَيْسَ فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ - وَالْعَمَّةُ لَا تَرِثُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهَا لَا تَمْلِكُ وَيَخُصُّ اللَّهُ تَعَالَى بِالْمِيرَاثِ مَنْ شَاءَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] .

وَقَالَ تَعَالَى: {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} [النساء: 23] فَدَخَلَ فِي هَذَا بَنُو الْبَنَاتِ وَخَرَجُوا مِنْ الْأُولَى، لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ لَيْسُوا لَنَا أَوْلَادًا. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: الْعَبْدُ سِلْعَةٌ، فَنَعَمْ، فَكَانَ مَاذَا؟ إنْ كَانُوا مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ سِلْعَةٌ جَعَلُوهُ لَا يَمْلِكُ؟ لِيُسْقِطُوا عَنْهُ الصَّلَاةَ، وَالطَّهَارَةَ، وَالصَّوْمَ، وَالْحُدُودَ؛ لِأَنَّ السِّلَعَ لَا يَلْزَمُهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015