مَاتَ جُوعًا، أَوْ جَهْدًا، أَوْ هُزَالًا، أَوْ بَرْدًا، لَمْ يَقْضُوا لَهُ فِي مَالِهَا بِنَوَاةٍ يَزْدَرِدُهَا، وَلَا بِجِلْدٍ يَسْتَتِرُ بِهِ، فَكَيْفَ اسْتَجَازُوا هَذَا؟ إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ؟ فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ جُمْلَةً.
وَأَمَّا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34] فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَخُصَّ بِهَذَا الْكَلَامِ زَوْجًا مِنْ أَبٍ، وَلَا مِنْ أَخٍ.
ثُمَّ لَوْ كَانَ فِيهَا نَصٌّ عَلَى الْأَزْوَاجِ دُونَ غَيْرِهِمْ لَمَا كَانَ فِيهَا نَصٌّ وَلَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لَهُ مَنْعَهَا مِنْ مَالِهَا، وَلَا مِنْ شَيْءٍ مِنْهُ، وَإِنَّمَا كَانَ يَكُونُ فِيهِ أَنْ يَقُومُوا بِالنَّظَرِ فِي أَمْوَالِهِنَّ - وَهُمْ لَا يَجْعَلُونَ هَذَا لِلزَّوْجِ أَصْلًا بَلْ لَهَا عِنْدَهُمْ أَنْ تُوَكِّلَ فِي النَّظَرِ فِي مَالِهَا مَنْ شَاءَتْ عَلَى رَغْمِ أَنْفِ زَوْجِهَا؟ وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهَا لَا يَنْفُذُ عَلَيْهَا بَيْعُ زَوْجِهَا لِشَيْءٍ مِنْ مَالِهَا - لَا مَا قَلَّ وَلَا مَا كَثُرَ - لَا لِنَظَرٍ وَلَا لِغَيْرِهِ، وَلَا ابْتِيَاعِهِ لَهَا أَصْلًا - فَصَارَتْ الْآيَةُ مُخَالِفَةً لَهُمْ فِيمَا يَتَأَوَّلُونَهُ فِيهَا. وَصَحَّ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء: 34] مَا لَا خِلَافَ فِيهِ مِنْ وُجُوبِ نَفَقَتِهِنَّ وَكِسْوَتِهِنَّ عَلَيْهِمْ، فَذَاتُ الزَّوْجِ عَلَى الزَّوْجِ، وَغَيْرُ ذَاتِ الزَّوْجِ إنْ احْتَاجَتْ عَلَى أَهْلِهَا فَقَطْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ - فَصَارَتْ الْآيَةُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ، وَكَاسِرَةً لِقَوْلِهِمْ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: فَإِنَّ يَحْيَى بْنَ بُكَيْرٍ رَوَاهُ عَنْ اللَّيْثِ - وَهُوَ أَوْثَقُ النَّاسِ فِيهِ - عَنْ ابْنِ عَجْلَانَ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ فِيهِ: «وَلَا تُخَالِفُهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهِ بِمَا يَكْرَهُ» .
وَهَكَذَا رُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ: أَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ نا يَحْيَى - هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ - نَا ابْنُ عَجْلَانَ نا سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ خَيْرِ النِّسَاءِ؟ قَالَ: الَّتِي تُطِيعُ إذَا أَمَرَ، وَتَسُرُّ إذَا نَظَرَ، وَتَحْفَظُهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهِ» ثُمَّ لَوْ صَحَّ - وَمَالِهَا دُونَ مُعَارِضٍ - لَمَا كَانَ لَهُمْ فِي تِلْكَ الرِّوَايَةِ مُتَعَلَّقٌ؛ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ إنَّمَا فِيهِ النَّدْبُ فَقَطْ لَا الْإِيجَابُ، وَإِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الطَّاعَةِ، وَالْمَنْعُ مِنْ