وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى سُئِلَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ الْفَاكِهَةِ تُوجَدُ فِي الطَّرِيقِ؟ قَالَ: لَا تُؤْكَلُ إلَّا بِإِذْنِ رَبِّهَا. وَعَنْ الرَّبِيعِ بْنِ خَيْثَمٍ أَنَّهُ كَرِهَ أَخْذَ اللُّقَطَةِ. وَعَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ مَرَّ بِدِرْهَمٍ فَتَرَكَهُ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ: كِلَا الْأَمْرَيْنِ مُبَاحٌ، وَالْأَفْضَلُ أَخْذُهَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ مَرَّةً: أَخْذُهَا أَفْضَلُ - وَمَرَّةً قَالَ: الْوَرَعُ تَرْكُهَا.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا مَنْ أَبَاحَ كِلَا الْأَمْرَيْنِ فَمَا نَعْلَمُ لَهُ حُجَّةً أَصْلًا، فَإِنْ حَمَلُوا أَمْرَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِأَخْذِهَا عَلَى النَّدْبِ؟ قِيلَ لَهُمْ: فَاحْمِلُوا أَمْرَهُ بِتَعْرِيفِهَا عَلَى النَّدْبِ وَلَا فَرْقَ.
فَإِنْ قَالُوا: أَمْوَالُ النَّاسِ مُحَرَّمَةٌ؟ قُلْنَا: وَإِضَاعَتُهَا مُحَرَّمَةٌ وَلَا فَرْقَ. وَأَمَّا مَنْ مَنَعَ مِنْ أَخْذِهَا؟ فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» فَقُلْنَا لَهُمْ: نَعَمْ، وَمَا أَمَرْنَاهُ بِاسْتِحْلَالِهَا أَصْلًا، لَكِنْ أَمَرْنَاهُ بِالْمُفْتَرَضِ عَلَيْهِ مِنْ حِفْظِهَا وَتَرْكِ إضَاعَتِهَا الْمُحَرَّمَةِ عَلَيْهِ، ثُمَّ جَعَلْنَاهَا لَهُ حَيْثُ جَعَلَهَا لَهُ الَّذِي حَرَّمَ أَمْوَالَنَا عَلَيْنَا إلَّا بِمَا أَبَاحَهَا لَنَا، لَا يَجُوزُ تَرْكُ شَيْءٍ مِنْ أَوَامِرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ أَوْلَى بِنَا مِنْ أَنْفُسِنَا، وَقَدْ كَفَرَ مَنْ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ حَرَجًا مِمَّا قَضَى.
وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ الْمُنْذِرِ بْنِ جَرِيرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَأْوِي الضَّالَّةَ إلَّا ضَالٌّ» وَبِحَدِيثِ أَبِي مُسْلِمٍ الْجَرْمِيِّ - أَوْ الْحَرَمِيِّ - عَنْ الْجَارُودِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «ضَالَّةُ الْمُسْلِمِ حَرْقُ النَّارِ» .