فَقَضَيْته فَقَالَ: أَصْلَحَك اللَّهُ قَدْ أَقَرَّ؟ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ يَعْلَى: إنْ شِئْت أَخَذْت بِقَوْلِهِ أَجْمَعَ، وَإِنْ شِئْت أَبْطَلْته أَجْمَعَ - عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ يَعْلَى مِنْ التَّابِعِينَ - وَلِيَ قَضَاءِ الْبَصْرَةِ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: مَنْ أَقَرَّ بِشَيْءٍ فِي يَدِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ.
وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ إيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ قَالَ: كُلُّ مَنْ كَانَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ فَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُهُ - وَقَوْلُنَا فِيمَا ذَكَرْنَا هُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ.
وَأَمَّا - الرُّجُوعُ عَنْ الْإِقْرَارِ: فَكُلُّهُمْ مُتَّفِقٌ عَلَى مَا قُلْنَا، إلَّا فِي الرُّجُوعِ عَنْ الْإِقْرَارِ بِمَا يُوجِبُ الْحَدَّ، فَإِنَّ الْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ، قَالُوا: إنْ رَجَعَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ - وَهَذَا بَاطِلٌ، وَالْقَوْمُ أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ، فَهَلَّا قَاسُوا الْإِقْرَارَ بِالْحَدِّ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالْحُقُوقِ سَوَاءً؟ وَأَيْضًا - فَإِنَّ الْحَدَّ قَدْ لَزِمَهُ بِإِقْرَارِهِ، فَمَنْ ادَّعَى سُقُوطَهُ بِرُجُوعِهِ فَقَدْ ادَّعَى مَا لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ؛ وَاحْتَجُّوا بِشَيْئَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: حَدِيثُ مَاعِزٍ.
وَالثَّانِي: أَنْ قَالُوا: إنَّ الْحُدُودَ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ.
قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا حَدِيثُ مَاعِزٍ - فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ أَصْلًا، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ: أَنَّ مَاعِزًا رَجَعَ عَنْ الْإِقْرَارِ أَلْبَتَّةَ، لَا بِنَصٍّ، وَلَا بِدَلِيلٍ - وَلَا فِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: إنْ رَجَعَ عَنْ إقْرَارِهِ قَبْلَ رُجُوعِهِ أَيْضًا أَلْبَتَّةَ، فَكَيْفَ يَسْتَحِلُّ مُسْلِمٌ أَنْ يُمَوِّهَ عَلَى أَهْلِ الْغَفْلَةِ بِخَبَرٍ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِمَّا يَزْعُمُ؟ وَإِنَّمَا رُوِيَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ قَالَ: كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ مَاعِزًا، وَالْغَامِدِيَّةَ لَوْ رَجَعَا بَعْدَ اعْتِرَافِهِمَا، أَوْ لَمْ يَرْجِعَا بَعْدَ اعْتِرَافِهِمَا لَمْ يَطْلُبْهُمَا -: هَكَذَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيِّ عَنْ بَشِيرِ بْنِ الْمُهَاجِرِ عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ - وَهَذَا ظَنٌّ، وَالظَّنُّ لَا يَجُوزُ الْقَطْعُ بِهِ، وَقَوْلُ الْقَائِلِ: لَوْ فَعَلَ فُلَانٌ كَذَا لَفَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمْرًا كَذَا -: لَيْسَ بِشَيْءِ، إذْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ الْفُلَانُ، وَلَا غَيْرُهُ ذَلِكَ الْفِعْلَ قَطُّ وَلَا فَعَلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَطُّ، وَقَدْ قَالَ جَابِرٌ: أَنَا أَعْلَمُ النَّاسِ بِأَمْرِ مَاعِزٍ إنَّمَا «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هَلَّا تَرَكْتُمُوهُ وَجِئْتُمُونِي بِهِ» ؟ لِيَسْتَثْبِتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُ، فَأَمَّا لِتَرْكِ حَدٍّ فَلَا -: هَذَا نَصُّ