رَسُولَ اللَّهِ أَعْطِنِي جَارِيَةً مِنْ السَّبْيِ؟ قَالَ: اذْهَبْ فَخُذْ جَارِيَةً، فَأَخَذَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيِّ» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَكَانَتْ الْأَرْضُ كُلُّهَا عَنْوَةً، وَصَالَحَ أَهْلَ بَعْضِ الْحُصُونِ عَلَى الْأَمَانِ، فَنَزَلُوا ذِمَّةً أَحْرَارًا - وَقَدْ صَحَّ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ قَوْلُهُ كَمَا قَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْبَرَ، فَصَحَّ أَنَّ الْبَاقِينَ بِهَا أَحْرَارٌ.
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ ذَلِكَ الْمَأْخُوذَ مِنْهُمْ كَانَ مَكَانَ الْجِزْيَةِ، فَكَلَامُ مَنْ لَا يَتَّقِي اللَّهَ تَعَالَى، وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ النِّصْفُ مَكَانَ الْجِزْيَةِ؟
وَإِنَّمَا كَانَ حُقُوقَ أَرْبَابِ الضِّيَاعِ الْمَقْسُومَةِ عَلَيْهِمْ الَّذِي عُومِلَ الْيَهُودُ عَلَى كِفَايَتِهِمْ الْعَمَلَ، وَاَلَّذِينَ خَطَبَهُمْ عُمَرُ كَمَا ذَكَرْنَا وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَلْحَقُوا بِأَمْوَالِهِمْ فَلْيَنْظُرُوا فِيهَا إذَا أَرَادَ إجْلَاءَ الْيَهُودِ عَنْهَا.
وَالْآثَارُ بِهَذَا مُتَوَاتِرَةٌ مُتَظَاهِرَةٌ كَالْمَالِ الَّذِي حَصَلَ لِعُمَرَ بِهَا فَجَعَلَهُ صَدَقَةً وَكَقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ فِي سَبَبِ إجْلَاءِ الْيَهُودِ: خَرَجْنَا إلَى خَيْبَرَ فَتَفَرَّقْنَا فِي أَمْوَالِنَا وَكَانَ إعْطَاءُ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بَعْضَ الْأَرْضِ وَالْمَاءِ، وَبَعْضِهِنَّ الْأَوْسَاقَ، وَأَنَّ بَقَايَا أَبْنَاءِ الْمُهَاجِرِينَ إلَيْهَا إلَى الْيَوْمِ عَلَى مَوَارِيثِهِمْ، فَظَهَرَ هَذَيَانُ هَؤُلَاءِ النَّوْكَى.
وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ قَالُوا: لَوْ كَانَ إجْمَاعًا لَكَفَرَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَزُفَرُ فَقُلْنَا: عُذْرًا بِجَهْلِهِمَا كَمَا يُعْذَرُ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَأَخْطَأَ فِيهِ وَبَدَّلَهُ وَزَادَ وَنَقَصَ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ عَلَى صَوَابٍ، وَأَمَّا مَنْ قَامَتْ الْحُجَّةُ عَلَيْهِ وَتَمَادَى مُعَانِدًا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ كَافِرٌ بِلَا شَكٍّ.
وَشَغَبَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ بِأَنْ قَالُوا: لَمَّا صَحَّتْ الْمُسَاقَاةُ فِي النَّخْلِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ أَيْضًا فِي الْعِنَبِ؛ لِأَنَّ كِلَيْهِمَا فِيهِ الزَّكَاةُ، وَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي شَيْءٍ مِنْ الثِّمَارِ غَيْرَهُمَا.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا فَاسِدٌ وَقِيَاسٌ بَارِدٌ، وَيُقَالُ لَهُمْ: لَمَّا كَانَ ثَمَرُ النَّخْلِ ذَا نَوًى