وَمِنْ هَذَا اسْتِئْجَارُ دَارٍ مُكْتَرَاةٍ، أَوْ عَبْدٍ مُسْتَأْجَرٍ، أَوْ دَابَّةٍ مُسْتَأْجَرَةٍ، أَوْ عَمَلٍ مُسْتَأْجَرٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ قَبْلَ تَمَامِ الْإِجَارَةِ الَّتِي هُوَ مَشْغُولٌ فِيهَا، لِأَنَّ فِي الْعَقْدِ اشْتِرَاطَ تَأْخِيرِ قَبْضَةِ الشَّيْءِ الْمُسْتَأْجَرِ، أَوْ الْعَمَلِ الْمُسْتَأْجَرِ لَهُ.
وَقَدْ أَجَازَ بَعْضُ النَّاسِ إجَارَةَ مَا ذَكَرْنَا قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّتِهِ بِالْيَوْمَيْنِ، وَمَنَعَ مِنْهُ أَكْثَرُ - وَهَذَا تَحَكُّمٌ فَاسِدٌ وَدَعْوَى بَاطِلٍ بِلَا بُرْهَانٍ، وَلَيْسَ إلَّا حَرَامٌ فَيَحْرُمُ جُمْلَةً أَوْ حَلَالٌ فَيَحِلُّ جُمْلَةً.
وَقَالُوا: هُوَ فِي الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ غَرَرٌ. فَقُلْنَا: وَهُوَ أَيْضًا فِي السَّاعَةِ غَرَرٌ وَلَا فَرْقَ، إذْ لَا يَدْرِي أَحَدٌ مَا يَحْدُثُ بَعْدَ طَرْفَةِ عَيْنٍ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى.
وَأَيْضًا: فَيُكَلَّفُونَ إلَى تَحْدِيدِ الْمُدَّةِ الَّتِي لَا غَرَرَ فِيهَا وَالْمُدَّةِ الَّتِي فِيهَا غَرَرٌ، وَأَنْ يَأْتُوا بِالْبُرْهَانِ عَلَى ذَلِكَ، وَإِلَّا فَهُمْ قَائِلُونَ فِي الدِّينِ مَا لَا عِلْمَ لَهُمْ بِهِ، فَإِنْ تَأَخَّرَ ذَلِكَ بِلَا شَرْطٍ فَلَا بَأْسَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
1291 - مَسْأَلَةٌ: وَمَوْتُ الْأَجِيرِ، أَوْ مَوْتُ الْمُسْتَأْجِرِ، أَوْ هَلَاكُ الشَّيْءِ الْمُسْتَأْجَرِ، أَوْ عِتْقُ الْعَبْدِ الْمُسْتَأْجَرِ، أَوْ بَيْعُ الشَّيْءِ الْمُسْتَأْجَرِ مِنْ الدَّارِ، أَوْ الْعَبْدِ، أَوْ الدَّابَّةِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، أَوْ خُرُوجُهُ عَنْ مِلْكِ مُؤَاجِرِهِ بِأَيِّ وَجْهٍ خَرَجَ كُلُّ ذَلِكَ يُبْطِلُ عَقْدَ الْإِجَارَةِ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ خَاصَّةً - قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَيَنْفُذُ الْعِتْقُ، وَالْبَيْعُ، وَالْإِخْرَاجُ عَنْ الْمِلْكِ بِالْهِبَةِ، وَالْإِصْدَاقِ، وَالصَّدَقَةِ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا} [الأنعام: 164] . وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» .
وَإِذَا مَاتَ الْمُؤَاجِرُ فَقَدْ صَارَ مِلْكُ الشَّيْءِ الْمُسْتَأْجَرِ لِوَرَثَتِهِ أَوْ لِلْغُرَمَاءِ، وَإِنَّمَا اسْتَأْجَرَ الْمُسْتَأْجِرُ مَنَافِعَ ذَلِكَ الشَّيْءِ، وَالْمَنَافِعُ إنَّمَا تَحْدُثُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، فَلَا يَحِلُّ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِمَنَافِعَ حَادِثَةٍ فِي مِلْكِ مَنْ لَمْ يَسْتَأْجِرْ مِنْهُ شَيْئًا قَطُّ، وَهَذَا هُوَ أَكْلُ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ جِهَارًا.