وَالزِّنَى وَالْغَارَةُ عَلَى أَمْوَالِ النَّاسِ؛ لِأَنَّهُ كُلُّهُ جَوْرٌ.
وَالْآفَةُ فِي هَذَا الْخَبَرِ وَالْبَلِيَّةُ مِنْ قِبَلِ الْإِرْسَالِ؛ لِأَنَّ الشَّعْبِيَّ لَمْ يَسْمَعْ قَطُّ مِنْ عَلِيٍّ كَلِمَةً وَإِنَّمَا أَخَذَ هَذَا الْخَبَرَ بِلَا شَكٍّ، مِنْ قِبَلِ الْحَارِثِ وَأَشْبَاهِهِ، وَهَذَا عَيْبُ الْمُرْسَلِ.
ثُمَّ الْعَجَبُ مِنْ احْتِجَاجِهِمْ بِهَذِهِ الْبَلِيَّةِ، وَهُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لَهَا فَلَا يَرَوْنَ إنْفَاذَ الْجَوْرِ، لَا فِي صُلْحٍ وَلَا غَيْرِهِ، وَهَذَا تَلَاعُبٌ بِالدِّيَانَةِ، وَضَلَالٌ، وَإِضْلَالٌ.
فَإِنْ قَالُوا: قَدْ جَاءَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: رَدِّدُوا الْخُصُومَ حَتَّى يَصْطَلِحُوا فَإِنَّ فَصْلَ الْقَضَاءِ يُوَرِّثُ بَيْنَ الْقَوْمِ الضَّغَائِنَ؟ قُلْنَا: هَذَا لَا يَصِحُّ عَنْ عُمَرَ أَصْلًا؛ لِأَنَّنَا إنَّمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ عَنْ عُمَرَ، وَعُمَرُ لَمْ يُدْرِكْهُ مُحَارِبٌ، وَمُحَارِبٌ ثِقَةٌ، فَهُوَ مُرْسَلٌ.
وَيُعِيذُ اللَّهُ عُمَرَ مِنْ أَنْ يَقُولَ هَذَا الْقَوْلَ فَيَأْمُرُ بِتَرْدِيدِ ذِي الْحَقِّ وَلَا يَقْضِي لَهُ بِحَقِّهِ، هَذَا الظُّلْمُ وَالْجَوْرُ اللَّذَانِ نَزَّهَ اللَّهُ تَعَالَى عُمَرَ فِي إمَامَتِهِ وَدِينِهِ وَصَرَامَتِهِ فِي الْحَقِّ مِنْ أَنْ يَفُوهَ بِهِ.
ثُمَّ لَيْتَ شِعْرِي أَيُّهَا الْمُحْتَجُّونَ بِهَذَا الْقَوْلِ الَّذِي لَمْ يَصِحَّ قَطُّ عَرِّفُونَا مَا حَدُّ هَذَا التَّرْدِيدِ الَّذِي تُضِيفُونَهُ إلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَتَحْتَجُّونَ بِهِ وَتَأْمُرُونَ بِهِ؟ أَتَرْدِيدُ سَاعَةٍ فَإِنَّهُ تَرْدِيدٌ فِي اللُّغَةِ بِلَا شَكٍّ، أَمْ تَرْدِيدُ يَوْمٍ، أَمْ تَرْدِيدُ جُمُعَةٍ، أَمْ تَرْدِيدُ شَهْرٍ، أَوْ تَرْدِيدُ سَنَةٍ، أَمْ تَرْدِيدُ بَاقِي الْعُمْرِ؟ فَكُلُّ ذَلِكَ تَرْدِيدٌ، وَلَيْسَ بَعْضُ ذَلِكَ بِاسْمِ التَّرْدِيدِ بِأَوْلَى مِنْ بَعْضٍ، وَكُلُّ مَنْ حَدَّ فِي هَذَا التَّرْدِيدِ حَدًّا فَهُوَ كَذَّابٌ، قَائِلٌ بِالْبَاطِلِ فِي دَيْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
وَأَيْضًا: فَإِنَّ تَرْكَ الْحُكْمِ بَيْنَهُمْ حَتَّى يَنْزِلَ الْمُحِقُّ عَلَى حُكْمِ الْبَاطِلِ، أَوْ يَتْرُكَ الطَّلَبَ، أَوْ يَمَلَّ مِنْ طَلَبِ الْمُبْطِلِ فَيُعْطِيَهُ مَالَهُ بِالْبَاطِلِ أَشَدُّ تَوْرِيثًا لِلضَّغَائِنِ بَيْنَ الْقَوْمِ مِنْ فَصْلِ الْقَضَاءِ بِلَا شَكٍّ.
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ الْإِسْنَادَ فِي دِينِنَا فَصْلًا بَيْنَ الْحَقِّ وَالْكَذِبِ.
فَإِنْ ذَكَرَ ذَاكِرٌ الْخَبَرَ الصَّحِيحَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ عَنْ آدَمَ بْنِ أَبِي إيَاسٍ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ