وَلَا عَلَى إسْقَاطِ الْيَمِينِ، وَلَا صُلْحِ إنْسَانٍ عَنْ مَنْ لَمْ يَأْمُرْهُ، وَلَا إقْرَارِهِ عَلَى غَيْرِهِ، فَبَطَلَ كُلُّ ذَلِكَ بِيَقِينٍ.
وَأَمَّا حَدِيثُ الصُّلْحِ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَكَلَامُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَكِلَاهُمَا لَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِهِ - أَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَاقِطَةٌ؛ لِأَنَّهُ انْفَرَدَ بِهَا كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عُمَرَ - وَهُوَ سَاقِطٌ - مُتَّفَقٌ عَلَى اطِّرَاحِهِ، وَأَنَّ الرِّوَايَةَ عَنْهُ لَا تَحِلُّ.
وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ عُمَرَ فَانْفَرَدَ بِهَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنْ أَبِيهِ وَكِلَاهُمَا لَا شَيْءَ، ثُمَّ لَوْ صَحَّا لَكَانَا حُجَّةً لَنَا؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ عَلَى الْإِنْكَارِ وَعَلَى السُّكُوتِ، لَا يَخْلُو ضَرُورَةً مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ -: إمَّا أَنْ يَكُونَ الطَّالِبُ طَالِبَ حَقٍّ، وَالْمَطْلُوبُ مَانِعُ حَقٍّ أَوْ مُمَاطِلًا لِحَقٍّ - أَوْ يَكُونَ الطَّالِبُ طَالِبَ بَاطِلٍ - وَلَا بُدَّ مِنْ أَحَدِهِمَا.
فَإِنْ كَانَ الطَّالِبُ مُحِقًّا، فَحَرَامٌ عَلَى الْمَطْلُوبِ بِلَا خِلَافٍ مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ أَنْ يَمْنَعَهُ حَقَّهُ، أَوْ أَنْ يَمْطُلَهُ - وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى إنْصَافِهِ - حَتَّى يَضْطَرَّهُ إلَى إسْقَاطِهِ بَعْضَ حَقِّهِ، أَوْ أَخْذِ غَيْرِ حَقِّهِ، فَالْمَطْلُوبُ فِي هَذِهِ الْجِهَةِ أَكَلَ مَالَ الطَّالِبِ بِالْبَاطِلِ وَبِالظُّلْمِ، وَالْمَطْلِ، وَالْكَذِبِ، وَهُوَ حَرَامٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ.
وَإِنْ كَانَ الطَّالِبُ مُبْطِلًا فَحَرَامٌ عَلَيْهِ الطَّلَبُ بِالْبَاطِلِ، وَأَخْذُ شَيْءٍ مِنْ مَالِ الْمَطْلُوبِ بِغَيْرِ حَقٍّ، بِلَا خِلَافٍ مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَبِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَالسُّنَّةِ، فَالطَّالِبُ فِي هَذِهِ الْجِهَةِ: أَكَلَ مَالَ الْمَطْلُوبِ بِالْبَاطِلِ، وَالظُّلْمِ، وَالْكَذِبِ، وَهَذَا حَرَامٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ.
وَلَعَمْرِي، إنَّنَا لَيَطُولُ عَجَبُنَا كَيْفَ خَفِيَ هَذَا الَّذِي هُوَ أَشْهُرُ مِنْ الشَّمْسِ عَلَى مَنْ أَجَازَ الصُّلْحَ بِغَيْرِ الْإِقْرَارِ؟ إذْ لَا بُدَّ فِيهِ ضَرُورَةً مِنْ أَكْلِ مَالٍ مُحَرَّمٍ بِالْبَاطِلِ لِأَحَدِ الْمُتَصَالِحَيْنِ فِي كِلَا الْوَجْهَيْنِ.
وَأَمَّا الصُّلْحُ عَلَى تَرْكِ الْيَمِينِ فَلَا تَخْلُو تِلْكَ الْيَمِينُ الَّتِي يُطْلَبُ بِهَا الْمُنْكِرُ مِنْ أَنْ تَكُونَ صَادِقَةً إنْ حَلَفَ بِهَا، أَوْ تَكُونَ كَاذِبَةً إنْ حَلَفَ بِهَا وَلَا سَبِيلَ إلَى ثَالِثٍ.
فَإِنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ كَاذِبًا إنْ حَلَفَ: فَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ آكِلٌ مَالَ خَصْمِهِ بِالْبَاطِلِ، وَالظُّلْمِ وَالْكَذِبِ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ.