وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: يَضْمَنُ مَا جَنَتْهُ لَيْلًا وَلَا يَضْمَنُ مَا جَنَتْهُ نَهَارًا وَهُوَ قَضَاءُ شُرَيْحٍ، وَحُكْمُ الشَّعْبِيِّ.
وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ «بِحَدِيثِ نَاقَةِ الْبَرَاءِ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى أَنَّ عَلَى أَهْلِ الْحَوَائِطِ حِفْظَهَا بِالنَّهَارِ، وَعَلَى أَهْلِ الْمَاشِيَةِ مَا أَصَابَتْ بِاللَّيْلِ» .
قَالَ عَلِيٌّ: لَوْ صَحَّ هَذَا لَمَا سَبَقُونَا إلَى الْقَوْلِ بِهِ، وَلَكِنَّهُ خَبَرٌ لَا يَصِحُّ، لِأَنَّهُ إنَّمَا رَوَاهُ الزُّهْرِيُّ عَنْ حَرَامِ بْنِ مُحَيِّصَةُ عَنْ أَبِيهِ - وَرَوَاهُ الزُّهْرِيُّ أَيْضًا عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ أَنَّ نَاقَةً لِلْبَرَاءِ، فَصَحَّ أَنَّهُ مُرْسَلٌ لِأَنَّ حَرَامًا لَيْسَ هُوَ ابْنُ مُحَيِّصَةُ لِصُلْبِهِ إنَّمَا هُوَ ابْنُ سَعْدِ بْنِ مُحَيِّصَةُ، وَسَعْدٌ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ الْبَرَاءِ وَلَا أَبُو أُمَامَةَ وَلَا حُجَّةَ فِي مُنْقَطِعٍ - وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ الْحَنَفِيِّينَ الْقَائِلِينَ: إنَّ الْمُرْسَلَ وَالْمُسْنَدَ سَوَاءٌ أَنْ يَقُولُوا بِهِ، وَلَكِنَّ هَذَا مِمَّا تَنَاقَضُوا فِيهِ.
وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِأَغْرَبَ مِنْ هَذَا كُلِّهِ -: وَهُوَ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وَمَسْرُوقٍ، وَمُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ} [الأنبياء: 78] {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} [الأنبياء: 79] وَأَنَّ سُلَيْمَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى فِي ذَلِكَ فِي غَنَمٍ أَفْسَدَتْ حَرْثَ قَوْمٍ بِأَنْ دَفَعَ الْغَنَمَ إلَى أَهْلِ الْحَرْثِ، لَهُمْ صُوفُهَا وَأَلْبَانُهَا حَتَّى يَعُودَ الْعِنَبُ أَوْ الْحَرْثُ كَمَا كَانَ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا عَجَبٌ مِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا وَاَلَّذِي لَا نَشُكُّ فِيهِ أَنَّ بَيْنَ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ وَبَيْنَ سُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَا فِي رِيَاحٍ وَمَهَامِهَ فَيْحَاءَ، وَلَوْ رَوَوْا لَنَا ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا قَامَتْ بِهِ حُجَّةٌ لِأَنَّهُ مُرْسَلٌ.
ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ الْمُحْتَجُّونَ بِهِ أَوَّلَ مُخَالِفِينَ لَهُ، لِأَنَّهُمْ لَا يَحْكُمُونَ بِهَذَا الْحُكْمِ، فَيَا لِلَّهِ كَيْفَ يَنْطِقُ لِسَانُ مُسْلِمٍ بِأَنْ يَحْتَجَّ عَلَى خَصْمِهِ فِي الدِّينِ بِحُكْمٍ لَا يَحِلُّ عِنْدَهُ أَنْ يُؤْخَذَ بِهِ؟ وَحَسْبُنَا اللَّهُ.
وَعَجَبٌ آخَرُ مِنْ الشَّافِعِيِّ: وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَرَى الْقَوْلَ بِالْمُرْسَلِ ثُمَّ أَبَاحَ هَاهُنَا الْأَمْوَالَ بِمُرْسَلٍ لَا يَصِحُّ أَصْلًا.
وَأَمَّا بَيْعُ مَا تَعَدَّى مِنْ الْعَجْمَاءِ فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2] وَمِنْ الْبِرِّ وَالتَّقْوَى حِفْظُ الزُّرُوعِ، وَالثِّمَارِ الَّتِي هِيَ أَمْوَالُ النَّاسِ فَلَا يُعَانُ عَلَى