المحلي بالاثار (صفحة 2509)

بِعِتْقِ، وَلَا بِإِصْدَاقِ، وَلَا بِارْتِهَانِ، إلَّا إنْ كَانَا فَقِيرَيْنِ، فَيَأْخُذُ الْفَقِيرُ مِنْهُمَا مَا احْتَاجَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ مِنْ كِسْوَةٍ، وَأَكْلٍ، وَسُكْنَى، وَخِدْمَةٍ، وَمَا احْتَاجَا إلَيْهِ فَقَطْ.

وَأَمَّا الْوَلَدُ فَيَأْكُلُ مِنْ بَيْتِ أَبِيهِ، وَبَيْتِ أُمِّهِ مَا شَاءَ بِغَيْرِ إذْنِهِمَا، وَلَا يَأْكُلُ مِنْ غَيْرِ الْبَيْتِ شَيْئًا، كَمَا جَاءَتْ النُّصُوصُ، لَا يَتَعَدَّى حُدُودَ اللَّهِ، فَإِنْ احْتَاجَ أَخَذَ أَيْضًا كَمَا قُلْنَا فِي الْوَالِدَيْنِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى} [النساء: 36]

ثُمَّ الْحُدُودُ، وَالْأَحْكَامُ لَازِمَةٌ لِلْأَبِ فِي جَارِيَةِ وَلَدِهِ، وَفِي مَالِ وَلَدِهِ، وَلَازِمَةٌ لِلِابْنِ فِي جَارِيَةِ أَبِيهِ، وَأُمِّهِ، وَمَالِهِمَا، كَمَا هِيَ فِيمَا بَيْنَ الْأَجْنَبِيَّيْنِ سَوَاءٌ.

وَالْعَجَبُ أَنَّ الْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ يُشَنِّعُونَ خِلَافَ الصَّاحِبِ لَا يُعْرَفُ لَهُ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ إذَا وَافَقَ شَهَوَاتهمْ، وَيَجْعَلُونَهُ إجْمَاعًا وَيَكْذِبُونَ فِي ذَلِكَ. وَأَقْرَبُ ذَلِكَ: مَا ذَكَرْنَا مِنْ دَعْوَى الْحَنَفِيِّينَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى تَضْمِينِ الرَّهْنِ، وَلَيْسَ مِنْهُ إلَّا رِوَايَاتٌ لَا تَصِحُّ عَنْ عُمَرَ، وَابْنِهِ، وَعَلِيٍّ فَقَطْ.

وَقَدْ صَحَّتْ عَنْ عَلِيٍّ رِوَايَةٌ بِإِسْقَاطِ التَّضْمِينِ إذَا أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ، ثُمَّ لَا يَرَوْنَ هَاهُنَا مَا قَدْ صَحَّ عَنْ عَائِشَةَ وَأَنَسٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ.

وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ لَا مُخَالِفَ لَهُمْ يُعْرَفُ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - حُجَّةٌ أَصْلًا، وَلَا يَلْتَفِتُونَ إلَيْهِ، إلَّا رِوَايَةً عَنْ عُمَرَ رُوِّينَاهَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قُدَامَةَ الْحَنَفِيِّ عَنْ رَجُلٍ مِنْهُمْ: أَنَّ رَجُلًا خَاصَمَ أَبَاهُ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي مَالٍ أَخَذَهُ لَهُ أَبُوهُ؟ فَقَالَ عُمَرُ: أَمَّا مَا كَانَ فِي يَدِهِ فَإِنَّهُ يَرُدُّهُ، وَأَمَّا مَا اسْتَهْلَكَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ.

وَهُمْ قَدْ خَالَفُوا هَذَا أَيْضًا، مَعَ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ، لِأَنَّهَا عَمَّنْ لَا يَدْرِي مَنْ هُوَ أَلَيْسَ هَذَا مِنْ أَعْجَبْ الْعَجَبِ؟ وَمِمَّا يَنْبَغِي لِذِي الْحَيَاءِ أَنْ يَهَابَهُ، وَلِذِي الدِّينِ أَنْ يُفَرِّقَهُ. فَإِنَّ قِيلَ: فَأَنْتُمْ الْقَائِلُونَ بِكُلِّ مَا صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلِمَ اسْتَحْلَلْتُمْ تَرْكَ الثَّابِتِ عَنْهُ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» ؟ قُلْنَا: يُعِيذُنَا اللَّهُ مِنْ أَنْ نَتْرُكَ خَبَرًا صَحَّ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَلَوْ أُجْلِبُ عَلَيْنَا مِنْ بَيْنِ الْبَحْرَيْنِ إلَّا أَنْ يَصِحَّ نَسْخُهُ - وَهَذَا الْخَبَرُ مَنْسُوخٌ - لَا شَكَّ فِيهِ - لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَكَمَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015