قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا تَفْرِيقُ مَالِكٍ بَيْنَ مَا يَخْفَى وَبَيْنَ مَا لَا يَخْفَى -: فَقَوْلٌ لَا بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهِ لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ، وَلَا مِنْ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا قِيَاسٍ، وَلَا قَوْلِ أَحَدٍ نَعْلَمُهُ قَبْلَهُ - فَسَقَطَ، وَإِنَّمَا بَنَوْهُ عَلَى التُّهْمَةِ؛ وَالتُّهْمَةُ ظَنٌّ كَاذِبٌ يَأْثَمُ صَاحِبُهُ وَلَا يَحِلُّ الْقَوْلُ بِهِ، وَالتُّهْمَةُ مُتَوَجِّهَةٌ إلَى أَحَدٍ وَفِي كُلِّ شَيْءٍ.
وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِخَبَرِ مُرْسَلٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يُغْلَقُ الرَّهْنُ مِنْ صَاحِبِهِ لَهُ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ، لَا يُغْلَقُ الرَّهْنُ مِمَّنْ رُهِنَهُ لَهُ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ» .
وَقَالُوا: قَدْ أَجْمَعْ الصِّحَابَةُ عَلَى تَضْمِينِ الرَّهْنِ، وَالْمُرْتَهِنُ أَمِينٌ فِيمَا زَادَ مِنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ عَلَى قِيمَةِ دَيْنِهِ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ الْمُرْتَهِنَ أَمِينٌ فِيمَا فَضَلَ مِنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ عَلَى قِيمَةِ دَيْنِهِ، فَدَعْوَى فَاسِدَةٌ، وَتَفْرِيقٌ بِلَا دَلِيلٍ، وَمَا هُوَ إلَّا أَمِينٌ فِي الْكُلِّ أَوْ غَيْرُ أَمِينٍ فِي الْكُلِّ.
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: أَجْمَعَ الصِّحَابَةُ عَلَى تَضْمِينِ الرَّهْنِ، فَقَوْلٌ جَرَوْا فِيهِ عَلَى عَادَتِهِمْ الْخَفِيفَةِ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ مِنْ الْكَذِبِ عَلَى الصَّحَابَةِ بِلَا مُؤْنَةٍ.
وَيَا لِلْمُسْلِمِينَ هَلْ جَاءَ فِي هَذَا كَلِمَةٌ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ إلَّا عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ عُمَرَ فَقَطْ.
فَأَمَّا عُمَرُ فَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ وَعُبَيْدٍ لَمْ يُولَدْ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ عُمَرَ أَوْ أَدْرَكَهُ صَغِيرًا لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ شَيْئًا.