فَإِنْ وَقَعَ رَدٌّ وَصَرَفَ إلَى الْغَرِيمِ مَا أَعْطَى، لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ»
فَلَوْ عَجَّلَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ بَعْضَ مَا عَلَيْهِ بِغَيْرِ شَرْطٍ ثُمَّ رَغِبَ إلَى صَاحِبِ الْحَقِّ أَنْ يَضَعَ عَنْهُ - الْبَاقِيَ أَوْ بَعْضَهُ، فَأَجَابَهُ إلَى ذَلِكَ أَوْ وَضَعَهُ عَنْهُ أَوْ بَعْضَهُ بِغَيْرِ رَغْبَةٍ فَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ حَسَنٌ وَكِلَاهُمَا مَأْجُورٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ هَاهُنَا شَرْطٌ أَصْلًا لَكِنْ أَحَدُهُمَا سَارَعَ إلَى الْخَيْرِ فِي أَدَاءِ بَعْضِ مَا عَلَيْهِ فَهُوَ مُحْسِنٌ وَالْآخَرُ سَارَعَ إلَى الْإِبْرَاءِ مِنْ حَقِّهِ فَهُوَ مُحْسِنٌ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} [الحج: 77] . وَهَذَا كُلُّهُ خَيْرٌ [وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ] .
1206 - مَسْأَلَةٌ:
وَمَنْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ حَالٌ أَوْ مُؤَجَّلٌ فَحَلَّ فَرَغِبَ إلَيْهِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ فِي أَنْ يَنْظُرَهُ أَيْضًا إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَفَعَلَ، أَوْ أَنْظَرَهُ كَذَلِكَ بِغَيْرِ رَغْبَةٍ وَأَشْهَدَ أَوْ لَمْ يُشْهِدْ لَمْ يَلْزَمْهُ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ وَالدِّينُ حَالٌ يَأْخُذُهُ بِهِ مَتَى شَاءَ - وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - وَهُوَ أَيْضًا قَوْلُ زُفَرَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِنَا.
وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ امْرَأَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ فَأَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ: أَنَّهُ قَدْ أَسْقَطَ الْأَجَلَ وَجَعَلَهُ حَالًّا، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ، وَالدَّيْنُ إلَى أَجَلِهِ كَمَا كَانَ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ -: أَنَّ كُلَّ مَا ذَكَرْنَا فَإِنَّهُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا مِنْ الْعُقُودِ الَّتِي افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى الْوَفَاءَ بِهَا، لِأَنَّ الْعُقُودَ الْمَأْمُورَ بِالْوَفَاءِ بِهَا مَنْصُوصَةُ الْأَسْمَاءِ فِي الْقُرْآنِ.
وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ كُلَّ الْعُقُودِ لَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهَا كَمَنْ عَقَدَ: أَنْ يُكَفِّرَ أَوْ أَنْ يَزْنِيَ.
وَكُلُّ عَقْدٍ صَحَّ مُؤَجَّلًا بِالْقُرْآنِ أَوْ السُّنَّةِ، فَلَا يَجُوزُ الْبَتَّةُ إبْطَالُ التَّأْجِيلِ إلَّا بِنَصِّ آخَر.
وَكُلُّ عَقْدٍ صَحَّ حَالًّا بِالْقُرْآنِ أَوْ السُّنَّةِ، فَلَا يَجُوزُ أَلْبَتَّةَ إبْطَالُ الْحُلُولِ إلَّا بِنَصِّ آخَر وَلَا سَبِيلَ إلَى نَصٍّ فِي ذَلِكَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
فَإِنْ قِيلَ: قَدْ قُلْتُمْ: إنَّهُ إنْ عَجَّلَ لَهُ مَا عَلَيْهِ قَبْلَ الْأَجَلِ إنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ لَهُ لَا رُجُوعَ فِيهِ؟ قُلْنَا نَعَمْ، لِأَنَّهُ قَدْ خَرَجَ مِنْ حَقِّهِ وَصَيَّرَهُ إلَى غَيْرِهِ وَوَهَبَهُ، فَهَذَا جَائِزٌ، إذْ قَدْ أَمْضَاهُ، وَأَمَّا مَا لَمْ يُمْضِهِ فَإِنَّمَا هُوَ وَعْدٌ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْوَعْدَ لَا يَلْزَمُ إنْجَازُهُ فَرْضًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.