مَا مِنْ رَجُلٍ يَقُولُ حِينَ يُصْبِحُ: اللَّهُمَّ مَا قُلْت مِنْ قَوْلٍ، أَوْ حَلَفْت مِنْ حَلِفٍ، أَوْ نَذَرْت مِنْ نَذْرٍ فَمَشِيئَتُك بَيْنَ يَدَيْ ذَلِكَ كُلِّهِ، مَا شِئْت مِنْهُ كَانَ، وَمَا لَمْ تَشَأْ لَمْ يَكُنْ، فَاغْفِرْهُ لِي، وَتَجَاوَزْ لِي عَنْهُ، اللَّهُمَّ مَنْ صَلَّيْت عَلَيْهِ فَصَلَوَاتِي عَلَيْهِ، وَمَنْ لَعَنْته فَلَعْنَتِي عَلَيْهِ، إلَّا كَانَ فِي اسْتِثْنَائِهِ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ ذَلِكَ
وَأَمَّا قَوْلُنَا: فَإِنَّنَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَحْلِفُ يَقُولُ: وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا وَكَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ - ثُمَّ يَفْعَلُهُ وَلَا يُكَفِّرُ.
وَقَدْ صَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ يُكَفِّرُ أَيْمَانًا أُخَرَ -: فَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ إسْقَاطُ الْكَفَّارَةِ إذَا وَصَلَ الِاسْتِثْنَاءَ بِكَلَامِهِ، وَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُ فِي الْمُهْلَةِ شَيْءٌ، فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ اسْتِثْنَاؤُهُ مَوْصُولًا بِيَمِينِهِ كَفَّرَ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ لِي عَطَاءٌ: إذَا حَلَفَ ثُمَّ اسْتَثْنَى عَلَى أَثَرِ ذَلِكَ وَمَعَ ذَلِكَ، وَعِنْدَ ذَلِكَ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ كَأَنَّهُ يَقُولُ: مَا لَمْ يَقْطَعْ الْيَمِينَ وَيَتْرُكْهُ - وَصَحَّ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ فِي الْيَمِينِ قَالَ: مَا كَانَ فِي كَلَامِهِ بِقَوْلٍ.
وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا عَنْ الشَّعْبِيِّ، وَالْحَسَنِ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ.
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إنَّمَا قُلْنَا بِهَذَا لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} [المائدة: 89] الْآيَةَ فَأَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى الْكَفَّارَةَ عَلَى مَنْ عَقَّدَ الْيَمِينَ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ حَلَفَ فَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَحْنَثْ» فَلَمْ يَجْعَلْ الِاسْتِثْنَاءَ مَرْدُودًا عَلَى الْيَمِينِ إلَّا بِالْفَاءِ، وَالْفَاءُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ تُوجِبُ تَعْقِيبًا بِلَا مُهْلَةٍ فَوَقَفْنَا عِنْدَ ذَلِكَ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَوْ كَانَ مَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَا لَزِمَتْ أَحَدًا كَفَّارَةٌ أَبَدًا.
قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا لَا شَيْءَ، لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَا يَمْنَعُ مَنْ أَرَادَ الْحِنْثَ وَإِيجَابَ الْكَفَّارَةِ مِنْ أَنْ يُكَفِّرَ، لَكِنْ لَوْ قَالُوا: هَذَا مِمَّا تَكْثُرُ بِهِ الْبَلْوَى فَمَا كَانَ مِثْلُ هَذَا لِيَخْفَى عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ لَكَانَ أَلْزَمَ لَهُمْ.
وَالْعَجَبُ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَمَالِكًا يَرَيَانِ الِاسْتِثْنَاءَ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَقَطْ وَلَا يَرَيَانِهِ فِي سَائِرِ الْأَيْمَانِ، وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا أَنْ يَكُونَ الْأَيْمَانُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْكَدَ وَأَعْظَمَ