وَغَيْرُ حُجَّةٍ إذَا لَمْ يَشْتَهُوا أَنْ يَكُونَ حُجَّةً.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِذْ قَدْ سَقَطَ كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ فَلْنَأْتِ بِالْبُرْهَانِ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا -: فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المائدة: 89] إلَى قَوْله تَعَالَى {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [المائدة: 89] .
فَظَاهِرُ الْقُرْآنِ إيجَابُ الْكَفَّارَةِ فِي كُلِّ يَمِينٍ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُسْقَطَ كَفَّارَةٌ عَنْ يَمِينٍ أَصْلًا إلَّا حَيْثُ أَسْقَطَهَا نَصُّ قُرْآنٍ، أَوْ سُنَّةٍ، وَلَا نَصَّ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةَ، أَصْلًا فِي إسْقَاطِ الْكَفَّارَةِ عَنْ الْحَالِفِ يَمِينًا غَمُوسًا؛ فَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ.
وَالْعَجَبُ كُلُّهُ مِمَّنْ أَسْقَطَهَا عَنْهُ وَالْقُرْآنُ يُوجِبُهَا، ثُمَّ يُوجِبُونَهَا عَلَى مَنْ حَنِثَ نَاسِيًا مُخْطِئًا وَالْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ قَدْ أَسْقَطَاهَا عَنْهُ.
وَأَوْجَبُوهَا عَلَى مَنْ لَمْ يَتَعَمَّدْ الْيَمِينَ وَلَا نَوَاهَا وَالْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ يَسْقُطَانِهَا عَنْهُ؛ وَهَذِهِ كَمَا تَرَى.
فَإِنْ قَالُوا: إنَّ هَذِهِ الْآيَةُ فِيهَا حَذْفٌ بِلَا شَكٍّ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَوَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ عَلَى كُلِّ مَنْ حَلَفَ سَاعَةَ حَلَفَ بَرَّ أَوْ حَنِثَ؟ قُلْنَا: نَعَمْ لَا شَكَّ فِي ذَلِكَ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ الْحَذْفَ لَا يَصْدُقُ أَحَدٌ فِي تَعْيِينِهِ لَهُ إلَّا بِنَصٍّ صَحِيحٍ، أَوْ إجْمَاعٍ مُتَيَقَّنٍ، عَلَى أَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى لَا مَا سِوَاهُ، وَأَمَّا بِالدَّعْوَى الْمُفْتَرَاةِ فَلَا -: فَوَجَدْنَا الْحَذْفَ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ قَدْ صَحَّ الْإِجْمَاعُ الْمُتَيَقَّنُ وَالنَّصُّ عَلَى أَنَّهُ فَحَنِثْتُمْ، وَإِذْ لَا شَكَّ فِي هَذَا فَالْمُتَعَمِّدُ لِلْيَمِينِ عَلَى الْكَذِبِ عَالِمًا بِأَنَّهُ كَذِبٌ حَانِثٌ بِيَقِينِ حُكْمِ الشَّرِيعَةِ، وَحُكْمِ اللُّغَةِ.
فَصَحَّ إذْ هُوَ حَانِثٌ أَنَّ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ، وَهَذَا فِي غَايَةِ الْوُضُوحِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ - وَالْقَوْمُ أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ، وَقَدْ قَاسُوا حَالِقَ رَأْسِهِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ مُحْرِمًا غَيْرَ عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى.