مَسْأَلَةٌ: قَالَ عَلِيٌّ: وَمَنْ تَعَمَّدَ النُّذُورَ لِيُلْزِمَهَا مَنْ بَعْدَهُ، فَهِيَ غَيْرُ لَازِمَةٍ، لَا لَهُ وَلَا لِمَنْ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ النَّذْرَ اللَّازِمَ الْوَفَاءِ بِهِ هُوَ نَذْرُ الطَّاعَةِ كَمَا قَدَّمْنَا، وَهُوَ الْآنَ نَذْرُ مَعْصِيَةٍ لَا نَذْرُ طَاعَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنَّمَا قَصَدَ إدْخَالَ الْمَشَقَّةِ عَلَى مُسْلِمٍ، فَهُوَ نَذْرُ مَعْصِيَةٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
الْوَعْدُ 1126 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ وَعَدَ آخَرَ بِأَنْ يُعْطِيَهُ مَالًا مُعَيَّنًا أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ، أَوْ بِأَنْ يُعَيِّنَهُ فِي عَمَلٍ مَا - حَلَفَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَحْلِفْ - لَمْ يَلْزَمْهُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَيُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ، وَكَانَ الْأَفْضَلُ لَوْ وَفَّى بِهِ.
وَسَوَاءٌ أَدْخَلَهُ بِذَلِكَ فِي نَفَقَةٍ أَوْ لَمْ يُدْخِلْهُ كَمَنْ قَالَ: تَزَوَّجْ فُلَانَةَ وَأَنَا أُعِينُك فِي صَدَاقِهَا بِكَذَا وَكَذَا، أَوْ نَحْوِ هَذَا - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ.
وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُدْخِلَهُ بِوَعْدِهِ ذَلِكَ فِي كُلْفَةٍ، فَيَلْزَمُهُ وَيَقْضِي عَلَيْهِ.
وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ الْوَعْدُ كُلُّهُ لَازِمٌ، وَيَقْضِي بِهِ عَلَى الْوَاعِدِ وَيُجْبَرُ.
فَأَمَّا تَقْسِيمُ مَالِكٍ: فَلَا وَجْهَ لَهُ وَلَا بُرْهَانَ يُعَضِّدُهُ، لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا قِيَاسٍ.
فَإِنْ قَالُوا قَدْ أَضَرَّ بِهِ إذْ كَلَّفَهُ مِنْ أَجْلِ وَعْدِهِ عَمَلًا وَنَفَقَةً؟ قُلْنَا: فَهَبْكُمْ أَنَّهُ كَمَا تَقُولُونَ مِنْ أَيْنَ وَجَبَ عَلَى مِنْ أَضَرَّ بِآخَرَ، وَظَلَمَهُ وَغَرَّهُ أَنْ يَغْرَمَ لَهُ مَالًا؟ مَا عَلِمْنَا هَذَا فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا حَيْثُ جَاءَ بِهِ النَّصُّ فَقَطْ {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق: 1] .
وَأَمَّا مَنْ ذَهَبَ إلَى قَوْلِ ابْنِ شُبْرُمَةَ فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: 3] .
وَالْخَبَرُ الصَّحِيحُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ» .