كُلَّ يَمِينٍ إلَّا بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَنَهَى عَنْهَا، فَمَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى، وَلَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ: مَنْ أَخْرَجَ نَذْرَهُ مَخْرَجَ الْيَمِينِ مِثْلَ مَنْ قَالَ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى مَكَّةَ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا، فَإِنْ كَلَّمَهُ فَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِذَلِكَ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: كَفَّارَةُ يَمِينٍ فَقَطْ إلَّا فِي الْعِتْقِ الْمُعَيَّنِ وَحَدِّهِ.
وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: كَفَّارَةُ يَمِينٍ فِي كُلِّ ذَلِكَ الْعِتْقِ الْمُعَيَّنِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ الْمُزَنِيّ: لَا شَيْءَ فِي ذَلِكَ إلَّا فِي الْعِتْقِ الْمُعَيَّنِ وَحَدِّهِ فَفِيهِ الْوَفَاءُ بِهِ. قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا مَنْ قَالَ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ؛ فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِأَنَّهُ نَذْرُ طَاعَةٍ فَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِهِ - وَقَالُوا: قِسْنَاهُ عَلَى الطَّلَاقِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا خَطَأٌ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ النَّذْرَ مَا قَصَدَ نَاذِرُهُ الرَّغْبَةَ فِي فِعْلِهِ وَالتَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِهِ، وَاسْتَدْعَى مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ تَعْجِيلَ تَبْلِيغِهِ مَا يُوجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْعَمَلَ، وَهَذَا بِخِلَافِ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ إنَّمَا قَصَدَ الِامْتِنَاعَ مِنْ ذَلِكَ الْبِرِّ، وَإِبْعَادِهِ عَنْ نَفْسِهِ جُمْلَةً وَمَنَعَ نَفْسَهُ مِمَّا يُوجِبُ عَلَيْهَا ذَلِكَ الْعَمَلَ.
فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّهُ لَيْسَ نَاذِرًا، وَإِذْ لَيْسَ نَاذِرًا، فَلَا وَفَاءَ عَلَيْهِ بِمَا قَالَ.
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ عَاصٍ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ الِالْتِزَامِ إذْ أَخْرَجَهُ مَخْرَجَ الْيَمِينِ، وَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ أَنْ يَحْلِفَ بِغَيْرِهِ فَصَارَ مَعْصِيَةً وَلَا وَفَاءَ لِنَذْرِ مَعْصِيَةٍ.
فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ كُلَّ مَا ذَكَرْنَا لَيْسَ نَذْرَ طَاعَةٍ فَيَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَلَيْسَ يَمِينًا لِلَّهِ تَعَالَى فَيَجِبُ فِيهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ - فَبَطَلَ أَنْ يَجِبَ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ، إذْ لَمْ يُوجِبْهُ قُرْآنٌ؛ وَلَا سُنَّةٌ - وَالْأَمْوَالُ مَحْظُورَةٌ مُحَرَّمَةٌ إلَّا بِنَصٍّ.
وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ إيَّاهُ عَلَى الطَّلَاقِ: فَالْخِلَاف أَيْضًا فِي الطَّلَاقِ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ أَشْهَرِ مِنْ أَنْ يُجْهَلَ - فَظَهَرَ بُطْلَانُ هَذَا الْقَوْلِ.
وَأَمَّا مَنْ أَوْجَبَ فِي ذَلِكَ كَفَّارَةَ يَمِينٍ، فَبَاطِلٌ أَيْضًا، لِأَنَّهُ لَا يَمِينَ إلَّا بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَلَمْ يُوجِبْ عَزَّ وَجَلَّ كَفَّارَةً فِي غَيْرِ الْيَمِينِ بِهِ، فَلَا كَفَّارَةَ فِي يَمِينٍ بِغَيْرِهِ عَزَّ وَجَلَّ.