المحلي بالاثار (صفحة 2317)

فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّهُمْ بُعِثَ إلَيْهِمْ أَنْبِيَاءُ مِنْهُمْ، وَبَطَلَ تَخْلِيطُ الطَّحَاوِيِّ بِالْبَاطِلِ الَّذِي رَامَ بِهِ دَفْعَ الْحَقِّ. وَقَالَ أَيْضًا: وَهَذَا مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «بَايِعُونِي عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِاَللَّهِ شَيْئًا وَلَا تَسْرِقُوا وَلَا تَزْنُوا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ وَلَا تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ، وَلَا تَعْصُوا فِي مَعْرُوفٍ، فَمَنْ وَفَّى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ثُمَّ سَتَرَهُ اللَّهُ فَهُوَ إلَى اللَّهِ إنْ شَاءَ عَاقَبَهُ وَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ» قَالَ: وَإِنَّمَا الْكَفَّارَةُ وَالْعَفْوُ فِيمَا دُونَ الشِّرْكِ لَا فِي الشِّرْكِ، وَقَدْ ذُكِرَ مَعَ سَائِرِ ذَلِكَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا جَهْلٌ مِنْهُ شَدِيدٌ لِأَنَّ الْكَفَّارَاتِ فِي الْقُرْآنِ، وَالسُّنَنِ تَنْقَسِمُ أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ -: أَحَدُهَا: كَفَّارَةُ عِبَادَةٍ بِغَيْرِ ذَنْبٍ أَصْلًا قَالَ تَعَالَى: {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} [المائدة: 89] . وَقَدْ يَكُونُ الْحِنْثُ أَفْضَلَ مِنْ التَّمَادِي عَلَى الْيَمِينِ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنِّي لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إلَّا أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَكَفَّرْتُ» أَوْ كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَقَدْ نَصَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -[عَلَى] أَنَّ الْحِنْثَ وَفِيهِ الْكَفَّارَةُ قَدْ يَكُونُ خَيْرًا مِنْ الْوَفَاءِ بِالْيَمِينِ. وَالثَّانِي: كَفَّارَةٌ بِلَا ذَنْبٍ بَاقٍ لَكِنْ لِذَنْبٍ قَدْ تَقَدَّمَ غُفْرَانُ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ كَالْحَدِّ يُقَامُ عَلَى التَّائِبِ مِنْ الزِّنَى. وَالثَّالِثُ: كَفَّارَةٌ لِذَنْبٍ لَمْ يَتُبْ مِنْهُ صَاحِبُهُ فَتَرْفَعُهُ الْكَفَّارَةُ كَحَدِّ الزَّانِي وَالسَّارِقِ اللَّذَيْنِ لَمْ يَتُوبَا. وَالرَّابِعُ: كَفَّارَةٌ عَلَى ذَنْبٍ لَمْ يَتُبْ مِنْهُ صَاحِبُهُ وَلَا رَفَعَتْهُ الْكَفَّارَةُ وَلَا حَطَّتْهُ كَالْعَائِدِ إلَى قَتْلِ الصَّيْدِ فِي الْحَرَمِ عَمْدًا مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ - قَالَ تَعَالَى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ} [المائدة: 95] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015