وَمِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُنْبَذَ الزَّبِيبُ وَالتَّمْرُ جَمِيعًا، وَأَنْ يُنْبَذَ الْبُسْرُ وَالتَّمْرُ جَمِيعًا» . وَنَهَى أَيْضًا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ أَنْ يُجْمَعَ غَيْرُ هَذِهِ كَمَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَوَجْهٌ آخَرُ -: وَهُوَ أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مُحَرَّمٍ خَمْرًا، الدَّمُ حَرَامٌ، وَلَيْسَ خَمْرًا، وَلَبَنُ الْخِنْزِيرِ حَرَامٌ وَلَيْسَ خَمْرًا، وَالْبَوْلُ حَرَامٌ وَلَيْسَ خَمْرًا، فَهَذَانِ اللَّذَانِ نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ جَمْعِهِمَا حَرَامٌ وَلَيْسَتْ خَمْرًا إلَّا أَنْ تُسْكِرَ، وَلَا مَعْنَى لِتَسْمِيَتِهِمَا إذَا جُمِعَا خَمْرًا. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الزَّبِيبُ وَالتَّمْرُ هُوَ الْخَمْرُ» فَمَا قَوْلُكُمْ فِيهِ؟ قُلْنَا: قَدْ صَحَّ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ الْمُتَيَقَّنِ إبَاحَةُ التَّمْرِ وَإِبَاحَةُ الزَّبِيبِ، وَإِبَاحَةُ نَبِيذِهِمَا غَيْرَ مَخْلُوطَيْنِ، كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا وَأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يُنْسَخْ قَطُّ. فَصَحَّ أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ، فَإِذْ لَا شَكَّ فِي هَذَا فَإِنَّمَا يَكُونُ خَمْرًا إذَا جَاءَ نَصٌّ مُبَيِّنٌ لِهَذِهِ الْجُمْلَةِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا إذَا أَسْكَرَ نَبِيذُهُمَا كَمَا بَيَّنَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي خَبَرٍ نَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى «إنَّ كُلَّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ» فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ أَيْضًا. وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: مِنْ تَخْصِيصِ عَصِيرِ الْعِنَبِ وَنَبِيذِ الزَّبِيبِ بِالتَّحْرِيمِ مَا لَمْ يُطْبَخَا دُونَ سَائِرِ الْأَنْبِذَةِ وَالْعَصِيرِ فَقَوْلٌ صَحَّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - وَهُوَ الْأَشْهَرُ عَنْهُ - إلَّا أَنَّهُ لَا يَعْتَمِدُ مُقَلِّدُوهُ عَلَيْهِ، وَلَا يَشْتَغِلُونَ بِنَصْرِهِ، وَلَا نَعْلَمُ لَهُ أَيْضًا حُجَّةً أَصْلًا، لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ، وَلَا رِوَايَةٍ ضَعِيفَةٍ، وَلَا دَلِيلِ إجْمَاعٍ، وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا رَأْيٍ، وَلَا قِيَاسٍ - فَسَقَطَ - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ: مِنْ تَخْصِيصِ عَصِيرِ الْعِنَبِ بِالتَّحْرِيمِ مَا لَمْ يُطْبَخْ، فَهُوَ قَوْلٌ اخْتَارَهُ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيَّ. وَاحْتَجَّ مَنْ ذَهَبَ إلَيْهِ بِأَخْبَارٍ أُضِيفَتْ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَخْبَارٍ عَنْ الصَّحَابَةِ، وَدَعْوَى إجْمَاعٍ - فَأَمَّا الْأَخْبَارُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكُلُّهَا لَا خَيْرَ فِيهَا - عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.