المحلي بالاثار (صفحة 1706)

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا أَمَرَ بِإِتْمَامِهَا مَنْ دَخَلَ فِيهَا لَا بِابْتِدَائِهَا، وَأَنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَرَأَ: {وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] بِالرَّفْعِ فَقَوْلٌ كُلُّهُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهَا دَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ وقَوْله تَعَالَى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] لَا يَقْتَضِي مَا قَالُوا وَإِنَّمَا يَقْتَضِي وُجُوبَ الْمَجِيءِ بِهِمَا تَامَّيْنِ وَحَتَّى لَوْ صَحَّ مَا قَالُوهُ لَكَانَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الدَّاخِلُ فِيهَا مَأْمُورًا بِإِتْمَامِهَا فَقَدْ صَارَتْ فَرْضًا مَأْمُورًا بِهِ؛ وَهَذَا قَوْلُنَا لَا قَوْلُهُمْ الْفَاسِدُ الْمُتَخَاذِلُ - وَابْنُ عَبَّاسٍ حُجَّةٌ فِي اللُّغَةِ.

وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: وَاَللَّهِ إنَّهَا لَقَرِينَتُهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] فَابْنُ عَبَّاسٍ يَرَى هَذَا النَّصَّ مُوجِبًا لِكَوْنِهَا فَرْضًا كَالْحَجِّ بِخِلَافِ كَيْسِ هَؤُلَاءِ الْحُذَّاقِ بِاللُّغَةِ بِالضِّدِّ، وَبِهَذَا احْتَجَّ مَسْرُوقٌ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَنَافِعٌ فِي إيجَابِهَا؛ وَمَسْرُوقٌ؛ وَسَعِيدٌ حُجَّةٌ فِي اللُّغَةِ.

فَإِنْ قَالُوا: أَنْتُمْ تَقُولُونَ: بِهَذَا فِي الْحَجِّ التَّطَوُّعِ، وَالْعُمْرَةِ التَّطَوُّعِ؟ قُلْنَا: لَا بَلْ هُمَا تَطَوُّعٌ غَيْرُ لَازِمٍ جُمْلَةً إنْ تَمَادَى فِيهِمَا أُجِرَ، وَإِلَّا فَلَا حَرَجَ وَلَوْ كَانَ غَيْرَ هَذَا لَكَانَ الْحَجُّ يَتَكَرَّرُ فَرْضُهُ مَرَّاتٍ، وَهَذَا خِلَافُ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى فِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً فِي الدَّهْرِ.

فَإِنْ قَالُوا: فَإِنَّكُمْ تَقُولُونَ: بِإِتْمَامِ النَّذْرِ، وَإِتْمَامِ قَضَاءِ صَوْمِ التَّطَوُّعِ عَلَى مَنْ أَفْطَرَ فِيهِ؟ قُلْنَا: نَعَمْ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ صَارَ فَرْضًا زَائِدًا بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِذَلِكَ وَأَمْرِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّمَا الْحَجُّ فَرْضٌ مَرَّةً وَاحِدَةً عَلَى مَنْ لَمْ يَنْذِرْهُ لَا عَلَى مَنْ نَذَرَهُ؛ بَلْ هُوَ عَلَى مَنْ نَذَرَهُ فَرْضٌ آخَرُ لَا نَضْرِبُ أَوَامِرَ اللَّهِ تَعَالَى بَعْضَهَا بِبَعْضٍ بَلْ نَضُمُّ بَعْضَهَا إلَى بَعْضٍ وَنَأْخُذُ بِجَمِيعِهَا.

وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ {وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] بِالرَّفْعِ فَقِرَاءَةٌ مُنْكَرَةٌ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَقْرَأَ بِهَا، وَسُبْحَانَ مَنْ جَعَلَهُمْ يَلْجَئُونَ إلَى تَبْدِيلِ الْقُرْآنِ فَيَحْتَجُّونَ بِهِ؟ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: لَوْ كَانَتْ فَرْضًا لَكَانَتْ مُرْتَبِطَةً بِوَقْتٍ؟ فَكَلَامٌ سَخِيفٌ لَمْ يَأْتِ بِهِ قَطُّ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ وَلَا رِوَايَةٌ سَقِيمَةٌ وَلَا قَوْلُ صَاحِبٍ وَلَا إجْمَاعٌ وَلَا قِيَاسٌ يُعْقَلُ، وَهُمْ مُوَافِقُونَ لَنَا عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرْضٌ وَلَوْ مَرَّةً فِي الدَّهْرِ وَلَيْسَتْ مُرْتَبِطَةً

طور بواسطة نورين ميديا © 2015