وَلَيْسَ هَذَا قِيَاسًا - وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ - وَإِنَّمَا يَكُونُ قِيَاسًا لَوْ جَعَلْنَا النَّاسِيَ أَصْلًا ثُمَّ شَبَّهْنَا بِهِ مَنْ أَكَلَ وَشَرِبَ وَجَامَعَ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ فِي لَيْلٍ فَإِذَا بِهِ فِي نَهَارٍ، وَلَمْ نَفْعَلْ هَذَا بَلْ كُلُّهُمْ سَوَاءٌ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: 5] وَفِي قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» . وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ السَّلَفِ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ: ثنا مَعْمَرٌ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: أَفْطَرَ النَّاسُ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَرَأَيْت عِسَاسًا أُخْرِجَتْ مِنْ بَيْتِ حَفْصَةَ فَشَرِبُوا، ثُمَّ طَلَعَتْ الشَّمْسُ مِنْ سَحَابٍ، فَكَأَنَّ ذَلِكَ شَقَّ عَلَى النَّاسِ، فَقَالُوا: نَقْضِي هَذَا الْيَوْمَ فَقَالَ عُمَرُ: لِمَ؟ وَاَللَّهِ مَا تَجَانَفْنَا لِإِثْمٍ وَرُوِّينَا أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ عَنْ الْمُسَيِّبِ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَخِيهِ عَنْ أَبِيهِ وَلَمْ يَذْكُرْ قَضَاءً؟ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَيْضًا الْقَضَاءُ، وَهَذَا تَخَالُفٌ مِنْ قَوْلِهِ، فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى مَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى الرُّجُوعَ إلَيْهِ عِنْدَ التَّنَازُعِ، مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، فَوَجَدْنَا مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ، مَعَ أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَنْ عُمَرَ أَوْلَى لِأَنَّ زَيْدَ بْنَ وَهْبٍ لَهُ صُحْبَةٌ، وَإِنَّمَا رُوِيَ عَنْهُ الْقَضَاءُ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ حَنْظَلَةَ عَنْ أَبِيهِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ قَالَ: سَأَلْت الْحَكَمَ بْنَ عُتَيْبَةَ عَمَّنْ تَسَحَّرَ نَهَارًا وَهُوَ يَرَى أَنَّ عَلَيْهِ لَيْلًا؟ فَقَالَ: يُتِمُّ صَوْمَهُ.