قُلْنَا: لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْجَبَهَا عَلَى مَنْ وَطِئَ امْرَأَتَهُ جُمْلَةً، وَلَمْ يَسْأَلْهُ: أَحَائِضًا هِيَ أَمْ غَيْرَ حَائِضٍ؟
738 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ وَطِئَ [عَمْدًا] فِي نَهَارِ رَمَضَانَ ثُمَّ سَافَرَ فِي يَوْمِهِ ذَلِكَ أَوْ جُنَّ، أَوْ مَرِضَ لَا تَسْقُطُ عَنْهُ الْكَفَّارَةُ، لِأَنَّ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَلَا يَسْقُطُ بَعْدَ وُجُوبِهِ إلَّا بِنَصٍّ، وَلَا نَصَّ فِي سُقُوطِهَا لِمَا ذَكَرْنَا.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ: تَسْقُطُ بِالْمَرَضِ وَلَا تَسْقُطُ بِالسَّفَرِ
739 - مَسْأَلَةٌ: وَصِفَةُ الْكَفَّارَةِ الْوَاجِبَةِ هِيَ كَمَا ذَكَرْنَا فِي رِوَايَةِ جُمْهُورِ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ: مِنْ عِتْقِ رَقَبَةٍ لَا يُجْزِئُهُ غَيْرُهَا مَا دَامَ يَقْدِرُ عَلَيْهَا، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهَا لَزِمَهُ صَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهَا لَزِمَهُ - حِينَئِذٍ - إطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ فَإِنْ قِيلَ: هَلَّا قُلْتُمْ بِمَا رَوَاهُ يَحْيَى الْأَنْصَارِيُّ وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَمَالِكٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ مِنْ تَخْيِيرِهِ بَيْنَ كُلِّ ذَلِكَ؟ قُلْنَا: لِمَا قَدْ بَيَّنَّا مِنْ أَنَّ هَؤُلَاءِ اخْتَصَرُوا الْحَدِيثَ، وَأَتَوْا بِأَلْفَاظِهِمْ، أَوْ بِلَفْظٍ مِنْ دُونِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَأَمَّا سَائِرُ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ فَأَتَوْا بِلَفْظِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ الَّذِي لَا يَحِلُّ تَعَدِّيهِ أَصْلًا، وَبِزِيَادَةِ حُكْمِ التَّرْتِيبِ، وَلَا يَحِلُّ تَرْكُ الزِّيَادَةِ وَبِقَوْلِنَا يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَحْمَدُ، وَجُمْهُورُ النَّاسِ؟ وَأَمَّا مَالِكٌ فَقَالَ بِمَا رُوِيَ؛ إلَّا أَنَّهُ اسْتَحَبَّ الْإِطْعَامَ، وَلَيْسَ لِهَذَا الِاسْتِحْبَابِ وَجْهٌ أَصْلًا.
وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ أَجَازَ فِي الْإِطْعَامِ الْمَذْكُورِ: أَنْ تُطْعِمَ مِسْكِينًا وَاحِدًا سِتِّينَ يَوْمًا، وَهَذَا خِلَافٌ مُجَرِّدٌ لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يَقَعُ اسْمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا عَلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ أَصْلًا
740 - مَسْأَلَةٌ: وَيُجْزِئُ فِي ذَلِكَ رَقَبَةٌ مُؤْمِنَةٌ أَوْ كَافِرَةٌ، صَغِيرَةٌ، أَوْ كَبِيرَةٌ، ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى، مَعِيبٌ أَوْ سَلِيمٌ؛ لِعُمُومِ «قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْتِقْ رَقَبَةً» فَلَوْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ الرِّقَابِ الَّتِي تُعْتَقُ لَا يُجْزِئُ فِي ذَلِكَ لَبَيَّنَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَلَمَا أَهْمَلَهُ حَتَّى يُبَيِّنَهُ لَهُ غَيْرُهُ.